كتب حامد الدقدوقي
ما وصل اليه لبنان من انهيار اقتصادي على كل المستويات لم يعد يصح عليه توصيف “أزمة” . صار اسمه بالتمام والكمال “مأساة “اجتماعية واقتصادية . وليس مغالاةً القول أيضاً انه صار “خطراً وجودياً” يكشف البلد على مروحة إحتمالات ليست خافية على أحد ، بدءًا من جوع يزحف ببطء لكن بشكل حثيث ليضرب النقاط الأكثر ضعفاً في أحزمة البؤس المنتشرة على مساحة الوطن وصولاً إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل قياسي وما بينهما من جرائم او محاولات سرقة يرددها كثيرون .
ولم يكن للبنان أن تكون له مثل هذه النهاية المأساوية لولا أن فريقاً منهم ـ وتحديداً حزب الله ـ خرج إلى ما بعد بعد الحدود وصولاً الى اليمن ليهدد الأمن القومي العربي برمته . ولم يكن للبنان أيضاً أن يسلك مساراً انحدارياً ارتطامياً لولا أن هذا الفريق لم يعادي الشرعية الدولية برمتها حتى صار مدرجاً على لوائح الارهاب في أكثر من 150 دولة وفي شتى جهات الكرة الأرضية
ان ما حل بلبنان واللبنانيين أول من يتحمل وزره هو “حزب السلاح ” و هو “حزب فائض القوة” و “حزب الاستعلاء” ، الذي لم يقم لمصالح لبنان واللبنانيين أي اعتبار .ولم يفكر لمرة واحدة بمصير ملايين اللبنانيين المنتشرين حول العالم يترزقون ويتعلمون حتى صار بعضهم محل شبهة والتباس لمجرد تحويله مبلغاً لأهله في لبنان.
ولم يترك هذا الحزب دولة عربية إلا وعبث وتلاعب بأمنها . في سوريا قاتل شعبها لمصلحة نظام طائفي مذهبي استبدادي . في الامارات والكويت ومصر والاردن عمل على زرع زتشكيل خلايا. وفي ما خص البحرين فلم يترك مناسبة إلا وتدخل بشؤون وشجون شعبها . حتى السعودية التي فعلت ما لا يُفعل لبناء لبنان بعد حرب تموز لم تسلم من شروره منذ تفجير الخُبر وصولاً إلى محاولة ضرب أمنها القومي من الخاصرة الحوثية في اليمن.
ما تقدم غيضٌ من فيض سيرة هذا الحزب الأمنية والعسكرية . أساساَ ، هو حزب أمني عسكري لا يقارب السياسة إلا من وجهة نظر النظام الإيراني. وقع اعلان بعبدا وتراجع عنه . ضرب بعرض الحائط بكل قرارات المحكمة الدولية الخاصة في لبنان . لا يترك فرصة إلا ويلوح بمغامرة جديدة ومماثلة لمغامرة 2006 ليبتز المجتمع الدولي بوجود قوات اليونيفل في الجنوب .
والأسوء من كل هذا ، هو بلوغه حداً يستهر فيه بقوت اللبنانيين وحقهم بالعيش في كرامة ، من خلال رفض التعاون مع صندوق النقد الدولي بحجة ” الكرامة” و “السيادة” . أية كرامة لبلد شعبه يتوسل لقمة العيش ونصف هذا الشعب عاطل عن العمل. يصور للبنانيين باستمرار ان صندوق النقد “فزاعة” من دون أن يطلع حتى على نوع وكم وشروط المساعدة الضرورية والماسة . علماً انه الى الآن لم يبد الصندوق حماسة للمساعدة بسبب حجم الانهيار الذي صار استعصاءً .
وما يزيد الأمر رداءةً ، انه يتلاعب بالوقت كما يتلاعب بمصائر اللبنانيين . فبعد تمنعه ورفضه مطولاً عن طلب العون من صندوق النقد الدولي ، عاد ليقبل “بالاستشارة التقنية” . هو يفعل ما يفعله لابتزاز المجتمع الدولي لمفاوضته تحت وطأة ابتزازه للأخير بـ “مصير اللبنانيين” مهدداً بقدرته على جعل الانهيار قدراً.
حتماً الانهيار ليس قدراً للبنان واللبنانيين . بل هو خيار من خيارات حزب الله التي يبتز بها المجتمع الدولي. لكن للبنانيين أيضاً أن يدافعوا عن وجودهم عن حقهم بالعيش بكرامة عبر اعادة لبنان الى الحاضنتين العربية والدولية ، وعبر التمسك باحترام الالتزامات الدولية خصوصا سندات اليوروبوند التي تستحق في التاسع من آذار المقبل ، مع طلب جدولة الدين لوقف المسار الانهياري الذي نحن عليه . وأيضاً عبر طلب مساعدة صندوق النقد لانقاذ ما يمكن انقاذه مرحلياً على طريق اعادة لبنان الى مصاف الدول الناجحة . وعكس ذلك يعني أننا نمضي بارادتنا إلى طلب تصنيفنا ضمن الدول الفاشلة على ان نعيش على مساعدات ترميها الطائرات من السماء.