كتب حامد الدقدوقي…
في اواخر كانون الثاني من العام 2020 اعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن بنود خطةٍ ل”سلام” مزعوم وأطلق عليها اسم “صفقة القرن”.
في وقائع الامور فان ما اعلن عنه ترمب يبقى “إعلاناً أميركياً – إسرائيلياً” كون الصفقة تُعقد بين طرفين، والحانب الفلسطيني لم يُستشار نهائياً بما أُعلن عنه. والأسوء من ذلك ان الرئيس الاميركي قال ما قاله بحضور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، ناهيك عن انه استدعى رئيس حزب ابيض – ازرق الاسرائيلي ليوفر اجماعاً إسرائيلياً من دون أدنى مراعاة للسلطة الفلسطينية وشرعيتها الدولية والاسلامية والعربية .
الخطة ليست جديدة بالكامل بل لها اساس سياسي يكمن في مبادرة قديمة كان طرحها السياسي الإسرائيلي اليساري يوسي بيلين على الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 1995 وعرفت آنذاك بوثيقة عباس-بيلين ،أو اتفاقية بيلين-أبو مازن ونصت على منح إسرائيل السيادة العسكرية على الأماكن الحساسة في مدينة القدس، وتوسيع المدينة لتشمل أبو ديس والعيزرية، وضم المستوطنات لإسرائيل، مقابل قيام دولة فلسطينية مستقلة منزوعة السـلاح على غرار الڤاتيكان، وإلغاء الأونروا واستبدالها بهيئة جديدة لاستيعاب النازحين، وتوطين اللاجئين في أماكن إقامتهم مع تحسين وضعهم المعيشي. حيث اُعتبرت هذه الوثيقه إطاراً لتطبيق اتفاق أوسلو ، لكن اغتيال إسحاق رابين في 5 تشرين الثاني 1995، وما أحدثه من زلزال داخل الكيان الإسرائيلي وتصاعد اليمين المتطرف، دفع شيمون بيريس رئيس الوزراء في حينه الى الحيلولة دون نشر الوثيقة حتى لا يتفاقم الوضع داخل الدولة العبرية.
وبما ان هذه الوثيقه سربت ونشرت في اكثر من وسيله إعلامية ومن دون ان ينفيها لا عباس ولا بيلين ، فانه والحال هذه يبرز سؤالاً اساسياً يتعلق اولاً وقبل اي شيء آخر بموقف الشرعية الفلسطينية بشخص الرئيس محمود عباس ، ومن ثم بالموقف العربي الذي كان مهموماً ومشغولاً على الدوام بالقضية الفلسطينية وباستقلالية القرار الوطني الفلسطيني الذي عانى ما عاناه من ضربات كان أقساها من نظام حافظ الاسد الذي لم يترك شيئاً إلا وفعله للامساك بهذه القضية العادلة والنبيلة والمحقة وذلك بهدف تعزيز أدواره الاقليمية في محاكاته ومماحكاته مع دول القرار.
لقد كان الموقف العربي على الدولم اكثر وضوحاً وعقلانية تجاه القضيه الفلسطينية ولم يبدل و يتبدل وقام على وضوح سياسي مفاده بدقة: نرضى بما يرضى به الفلسطينيون ، ونرفض ما يرفضونه.
وفي ما يتعلق بالموقف العربي الرسمي والشعبي أيضاً فان الاخلاص لهذه القضية بقي على ما هو عليه وما بدل تبديلا على الرغم من كل تقلبات فصائل فلسطينية معينة خصوصاً حركتي حماس والجهاد الاسلامي وفي محطات ما تبدى ان هذه التقلبات كانت ضد المصلحة الوطنية الفلسطينية ومن ثم ضد العرب .
وفي السياق نفسه، يزداد السؤال إلحاحاً لكن بوجه محور ما يُسمى “بالممانعة والمقاومة” الذي يصم آذاننا صباح مساء عن عزمه تحرير فلسطين وبدقائق؟
ففي ما خص محور إيران المُسمى “محور الممانعة والمقاومة” فلم يكن هناك إلا “أهوالاً خطابية” عن ازالة إسرائيل من الوجود في دقائق تراوح تعدادها بين السبعة وبين الثلاثين وابرزها كان على لساني المستشار العسكري لقائد “فيلق قدس” في الحرس الثوري الإيراني العميد أحمد كريم بور ، وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي. وكل هذا كان “جعجعة بلا طحين” ، فعلى الرغم من مئات الضربات الاسرائيلية والاميركية ضد الايرانيين وصولا الى اغتيال قاسم سليماني فان اسرائيل لا ترال تنعم ب “سلام” غير مسبوق.
الاعلان المُسمى صفقة قد يكون من أقسى وأسوء الاختبارات التي تمر بها القضية الفلسطينية منذ نكبة العام ١٩٤٨ ، لكن الممر الآمن من هذه المحنة يبدأ بتوحد القوى والفصائل الفلسطينية خلف الشرعية الوطنية وتعيين المصلحة الفلسطينية البحتة والمحضة من دون الأخذ بالشعارات الطنانة. وكما كان العرب على ثباتهم وما بدلوا تبديلا فان ذلك عنصر قوة اساس لتحديد الصواب السياسي للشعب الفلسطيني الذي ما كلّ ولا ملّ من تسطير ملاحم البطولة دفاعاً عن حقه بالحياة واقامة دولة فلسطينية مستقلة . ولقد خبر الفلسطينيون على اختلاف تنوع فصائلهم ماذا قدم لهم محور المقاومة منذ ان اكمل حافظ الاسد في طرابلس – لبنان عام ١٩٨٣ ما عجز عنه ارييل شارون عام ١٩٨٢. لقد ذُبحت المقاومة الفلسطينية آنذاك لا لشيء إلا لنضالها في الدفاع عن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني ، وهذا بداية الصواب السياسي ومحنة الفلسطينيين في آنٍ معاً.