كتب سليمان جوزيف فرنجية…
يعرّف مُحَرِّك البحث “وكيبيديا” الثقافة على أنها مجموعة المعرفة المكتسبة بمرور الوقت. وبهذا المعنى، فإن التعددية الثقافية تقدّر التعايش السلمي، والاحترام المتبادل يخلق التقبل بين الثقافات المختلفة التي تسكن الكوكب نفسه. في بعض الأحيان، تُستخدم كلمة “الثقافة” أيضًا لوصف ممارسات معينة داخل مجموعة فرعية من المجتمع، أو ثقافة فرعية، أو حتى ثقافة مضادة. في مقالتنا هذه، سنسلط الضوء على السؤال التالي: الثقافة في لبنان إلى أين؟ تجدر الملاحظة بأن هذه المقالة هي صرخة من أجل الوعي وليست نتقادًا لأحد أو موجهّة ضد أحد، بل هي ضد كل ملتوٍ، لا بل أضع فيها رؤيتي الخاصة في الموضوع.
في السنوات الأخيرة، شهد لبنان تطوّرًا كبيرًا على كافّة الأصعدة منها السياسية والاقتصادية والثقافية حتّى؛ بالرغم من المشهد القاتم الذي يمُّر به لبنان منذ فترة. وعلمًا بأنّ ثقافة لبنان هي متشعّبة متمازجة ونابعة من مختلف الحضارات على مدى آلاف السنين، كما وكانت موطن الفينيقيين والسريان، واحتلها وغزاها الآشوريون والفرس والإغريق والرومان والعرب والصليبيون والعثمانيون والفرنسيون. أما لبنان الحالي، فهو مزيج لكل هذه الحضارات، مما أكسبه لقب “الوطن الرسالة”، فكما قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني أثناء زيارته الرسولية إلى لبنان سنة 1997: “لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة”.
حسب رأييٍ الخاص، ينقسم المثقفون في لبنان إلى قسمين؛ فالجيل الجديد غير مضطلع وغير مطالع كالسابق وأما أهل الثقافة، فينقسمون إلى قسمين. القسم الأول، ممَن يُقدِّم الجميل والأجمل والأفضل، والقسم الثاني يحاول أن يتسلَّق على أدراج الثقافة ولكنَّه ضعيف البنية. بمعنى آخر، هناك أناس بالشعر أبطال أو أصبحوا أبطال – أي تطوّروا في شعرهم – ولكن هناك أناس دخلوا مضمار الشعر في وقت مُتأخِّر، شعرهم ركيك وليس لديهم خلفية ثقافية ولا إطلاع أعمق على الشعر. وحتّى إذا أردنا الدخول في مضمار الكتب، نجد أن الكثير من النّاس لديهم نقصًا كبيرًا فيعدّة مواضيع، وعن قلّة معرفة. كما هناك البعض ممن يقدِّر الناس نجاحهم والبعض الآخر يريدون بالقوّة خلق اسم ونجاح لأنفسهم. فالثقافة في لبنان، ككل شيء، فيها الجيّد وفيها السيء.
أما بالنسبة لفكرة الطباعة في لبنان، تُطبع بعض الكتب فقط لمجرّد الطباعة، ولا يمكن للفرد الاستفادة منها بشيء، إذ إنها ركيكة، إن كان بالنثر أم باللغة الفصحى أو المحكية؛ وهناك بعض الكتب التي تَسعَد بقراءتها مهما كنت تحبّ، الفصحى أو النثر، وهنا أتكلّم على الكتب الشعرية. ومن جهة أخرى، بسبب أزمة الدولار غير المبرّرة علميًا في لبنان، إذ يجمع أصحاب الاختصاص أن الدولار في لبنان هو “سياسي”، يتضاءل شراء الكتب، وخاصّة عند فئة الشبيبة وطلّاب الجامعات منهم على وجه أخصّ أيضًا، إن كان بسبب الغلاء الكبير بالأسعار أم بسبب فقدانهم لهذا الشغف. وهنا نسأل، إلى متى ستطول هذه الأزمة؟
وفي مكان آخر نرى المادية التي عشعشت في قلب بعض ذوي العلم، فأصبحت مهنة التعليم هي “شحادة”؛ ولا نختلف هنا حول أحقيّة النقابات التعليمية في لبنان بالمطالبة بأبسط حقوقها ليكتفي الإنسان بأبسط حاجاته الأساسيّة. ولكن مع الأيّام، نرى أن الجيل الجديد هو من يدفع الثمن. فالمستوى التعليمي في حالة إنحدار رهيب بسبب الإضرابات المتكرّرة في لبنان لدرجة أنها تمتدّ لأشهر يخسر بها هذا الجيل “ثقافته” مما يضطر الأساتذة لحسم مواد من المنهج. ومن ناحية أخرى، نرى الدولرة في الصروح التعليمية تصل إلى حد طلب مبالغ هي تعجيزية بالنسبة إلى الأهل. هنا نسأل، أين المعنيين من هذا الموضوع؟ ألم يحن الوقت لتطوير المناهج والكوادر البشرّية على كافّة الأصعدة ونزع المادية من قلوب المعنيين والتفكير في الجيل القادم؟