كتب سليمان جوزيف فرنجية …
في رحلة بحثي وأثناء حواراتي الكثيرة مع صديقة لي التي كلمتني عن الأب ميخائيل معوض. هذا الإسم القديم الجديد عليَّ. في زغرتا – إهدن الجميع يعيش عظمة التاريخ بسبب الإرث الكبير الذي تركه لنا الآباء والأجداد. نسير بين أفخاخ المجد عسى أن لا نضيع في شباك الجهل وقلة الخصية. التاريخ يجلس معنا في حوار كبير. في زغرتا مازلنا نعيش على عبق الكبار أمثال الطوباوي البطريرك إسطفان الدويهي والبطل يوسف بيك كرم والمؤرخ جواد بولس. نرى من شباك التاريخ الأب ميخائل معوض. في مقالتي هذه سأغوص سريعا معرِّفاً به.
ولد بشير معوض في إهدن سنة 1918، كما كل أقرانه تعلّم تحت الجوزة بإهدن لينتقل في العام 1926 إلى مدرسة ماريوسف في زغرتا وظل فيها حتى سنة 1929. دخل في العام ذاته إلى دير مار سركيس وباخوس الضهر في زغرتا بمسعى كل من والده ودعم المونسنيور بولس معوض ورئيس الدير آنذاك ميخائيل البزعوني والذي حمل إسمه لاحقاً تيمنا به.
أبرز نذوره الأولى سنة 1931 لينتقل من بعدها إلى دير مار روكوز من أجل الدروس الإكليريكية (1931 – 1934). في العام 1934 دخل إلى مدرسة الآباء اليسوعيين في بيروت حتى سنة 1946. نال شهادة الفلسفة سنة 1942 وفي اللاهوت سنة 1946 من جامعتها؛ ليسام كاهنا في 25 آذار من العام نفسه ؛ ثم معلم للمبتدئين. في العام 1949 جدد بناء المعهد الأنطوني في بعبدا بناء على طلب السلطة الرهبانية. وفي العام 1951 عين مدبرًا ثالثا في الرهبانية مع بقائه رئيسا للعهد الأنطوني والدير أيضًا؛ كما منحه رئيس الجمهورية وسام المعارف المذهب. وفي السنة عينها، أسس رابطة قدامى المعهد الأنطوني وجلة المعهد الأنطوني التي عرفت بإسم “صدى المعهد”.
في العام 1957 عيّن مبرًا أول ونائبا عام مع احتفاظه برئاسة المعهد والدير في بعبدا. عمل على إنشاء دير للرهبانية في روما. وأتى العام 1958 ليكون عام انتقاله من بعبدا إلى انطلياس ليعّن رئيسا للدير. هذه السنة كانت عم التغيير في تلك المنطقة إذ شرّع أبواب الدير للشباب وأشركهم ي الندوات الحلقات الفكرية. وفي العام 1962 ساهم في تأسيس مجلس المتن الشمالي للثقافة. في العام نفسه استدعي إلى بعبد لرئاسة المعهد الأنطوني والدير معا. وعلى مدى 27 سنة درّس الأدب العربي للصفوف الثانوية في كل من المعهد الأنطوني والإكليريكيّة الرهبانية.
في العام 1969، عيّن رئيسا لدير ماريوسف زحلة وأصدر نشرة الرعية تحت إسم “أصداء”. رغم الصعوبات الكبيرة التي اعترضه وضيق المساحة بنى قاعة كبيرة للدير. أسس في تلك السنة حركة التراث المسيحي وحركة الشهادة المسيحية. في حفل يوبيله الفضيّ منحه رئيس الجمهورية وسام الأرز من رتبة فارس ومنح أيضًا جائزة سعيد عقل من قبل مجلس المتن الشمالي وذلك كله في العام 1971. وأسس في العام 1972 تجمع الإكليريوس الإهدني الزغرتاوي. ومع قدوم العام 1975 رجع لرئاسة دير مار الياس انطلياس حيث بقي فيه حتى وفاته. وفي العام 1977 أسس الحركة الثقافية في انطلياس وكان أمينا عام لها. أسس في العام 1979 مجلة لرعية مار الياس مير الإعلام في المركز الكاثوليكي للإعلام منذ العام 1984 حتى وفاته. توفي في 18 آب من العام 1986.
يقول الدكتور جورج شبلي فيه: “إنّ بعض الناس معقود على تلقّي نعمة ربّه، أكان نَسَبه ضارباً في تربة العزّ، أو كان حصيره غريباً عن ملامحها فلم تخدم تاريخ حياته. وتفيض عليه النعمة حالةً ذَوقية وجدانية، تتجلى في عملية تنقيب داخل الذات عن أحاسيس متكوِّنة في جوّانيتها، وذلك لتظهيرها بأدوات التعبير. من هنا، لا يختلف المتصوّف عن المفكّر في شيء، فمعهما يتطابق الخيال لأيقاظ نقلة يتحوّل فيها الطّين الى جسد ينبض بالإحتراق. الأب ميخائيل معوّض الأنطوني تساقط في نفسه صافي العلم لحسرة عنده، بعدما احتلّ اللاهوت ساح ذات الرّاهب ولم يترك له فيها مطرحاً. لكنّ “يد الله” يسّرت تعانقهما الذي نشّأ في رحابه رجل دين وأدب، قائم السّاق على دَورٍ أصاب الكثير من ملامس الفلسفة وطقوس الإبداع ومفاتيح الذّوق، وبدرجة عالية. وعمِل معوّض وضّاعاً للجمال في كلّ كلامه، والجمال هو الحَكم الوحيد الذي لم يَبُت سراباً في إنضاج الإبداع، فشيّد على “دروب الجمال” أدب الرحلة والمسرح والقصة ووجدانيّات التأمّل. وقد بلغ بذلك أعلى الإجادة كونه من الأعمق غوصاً في نفسية الإنسان، ومن الأقدر تلفّتاً الى الحكمة ثمرة الإيمان واجتلاء حقيقة الوجود، خصوصاً وأن لا عقيدة أسمى من الحقيقة”.
أختم لأنقل مؤلفات الراحل: “على دروب الجمال – 1958، الخطيئة البيضاء – 1960، اعترافات كاهن – 1963، الآباتي اشعيا الأسمر – 1968، خطى في الفراغ – 1969، رحلة في الإنسان – 1972، ظلالهما – 1979، أنا والحرب – 1981، أطفال في رحلة المجهول – 1982، همسات الأمس – 1983، حدّثني كتابي – 1984، من الماضي: حكايات لبنانية – 1987”.
في المسرح: “ذلك الرسول – 1956 ومسرحيات غير منشورة”. كما مسرحيات تاريخية: “لبّيك يا لبنان – 1955، اليسّار – 1959، مارد صور – 1961، الأفاعي الثلاث – 1967، مسرحيات دينية، يد الله، الورقة المطوية، صدى القانون، صوت النزاع، اشعيا السكاف، بين المغارتين، الأعمى البصير، رسالة المقلاع، أصوات السماء، الطالبية، نعمة الليل، تيريزيا أين كنت؟، مسرحيات اجتماعية، العلامة الحمراء، سمير في الثلاثين، أنتم سعادتي، هؤلاء هم ثروتي، المعلّم، الصمود، الأوبريت، الخطيئة – 1968، قيامة العازر – 1974، أطفال في رحلة المجهول – 1978، الفداء.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.
