كتب سليمان جوزيف فرنجيه…
الفساد في معاجم اللغة هو من (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) أي لغة البطلان، فيُقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه. أما التعريف العام لمفهوم الفساد عربيًا، فهوأنه اللهو واللعب وأخذ المال ظلمًا من دون وجه حق، مما يجعل تلك التعابير المتعددة عن مفهوم الفساد توجه المصطلح نحو إفراز معنى يناقض المدلول السلبي للفساد إذ إنه ضد الجدّ القائم على فعل الائتمان على ما هو تحت اليد (القدرة والتصرف). يُعرّف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه «انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة»، وقد يعنى الفساد التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحي السلبية في الحياة. إذًا، يصبح الفساد بمفهومه العام التغير من الحالة المثالية إلى حالة دون الحالة المثالية، والكمال لله عز وجل، بمعنى التغير للأسوأ، ويكون هنا ضد الإحسان وضد التحول أو التغير إلى الحالة المثالية.
كما وعرّف البنك الدولي الفساد بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة التي يرتكبها شخص أو منظمة يُعهد إليها بمركز سلطة؛ وذلك من أجل الحصول على مزايا غير مشروعة أو إساءة استخدام تلك السلطة لصالح الفرد. ويمكن للفساد أن يشمل العديد من الأنشطة التي تتضمن الرشوة والاختلاس، ويتضمن أيضًا ممارسات قد تُعد قانونية في العديد من البلدان .
يحصد لبنان المرتبة 24 عالميًا في مؤشر مدركات الفساد للعام 2021 حسب منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي. فالفساد في لبنان يعشعش في مختلف القطاعات الإنتاجية والثقافية. في مقالتنا هذه، سنخوض غمار ثقافة الفساد في لبنان ونحاول إيجاد حل لها. أصبح الجميع يتكلّم عن الفساد السياسي والإداري في الدولة اللبنانيّة؛ ولكن هل تساءل أحد يومًا عن الفساد الاجتماعي والثقافي في لبنان؟
كبداية لمناقشتنا هذه، وَجَبَ توضيح النقطة التالية ألا وهي أنه لا يمكن فصل المجتمع عن الثقافة السائدة فيه. فالمجتمع هو الخالق للثقافة من عدّة نواحي إن كان بتكوين المفاهيم الثقافية أم الطرق التعبيرية عنها؛ وثقافة الفساد في لبنان هي قديمة العهد. ففي كل مرحلة تاريخية كان يشهد لبنان نوعًا جديدًا من الفساد، مثلاً الفساد الإداري الذي دخل في الدوائر الحكومية والعسكرية أثناء حكم العثمانيين؛ وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
إنطلاقًا من ما سبق، إن الفساد المجتمعي والإنساني على درجات، وفي لبنان الفساد ينخر في عظام المجتمع بكل تفاصيله الدينية والاجتماعية لتطال السياسة. في الجانب الديني، نرى فساد المحاكم الدينية، كما يُقال ونرى، وهي ليست موضوعنا الآن. والسياسة كما نعلم هي أبرز مكامن الفساد، ويقال فيها الكثير. أما عن الفساد الاجتماعي، فالكلام عنه قليل في مجتمعنا لاعتبارات كثيرة منها الخوف من قول الحقيقة كما هي، ونحن في هذه المقالة لسنا بقضاة جئنا لندين العالم بل لنضيء على الأخطاء، فنحن جزء من هذا المجتمع أولاً وأخيرًا.
على الصعيد الاجتماعي، أصبح الفساد هو الخبز اليومي للمجتمع اللبناني، يدخل الفرد إلى مكان (مش مفهومة)، حيث تكون مصلحته الخاصة قبل المصلحة العليا والعامة. فعلى سبيل المثال، يدخل إلى الإدارة العامة ويريد إنهاء معاملته قبل الجميع بمعزل عن رأي الفرد في الروتين الإداري. وفي هذا المثل كما غيره من الأمثلة العديدة، نرى الأنانية والفردية التي تشكّل خطرًا على أي مجتمع، الأنانية التي تريد كل شيء لها بما يتوافق مع مصلحتها.
في الجهة المقابلة للفساد الاجتماعي – نرى للفساد الثقافي عدّة أوجه نذكر الأبرز منها على سبيل المثال لا الحصر: الرشوة، الواسطة والمحسوبية، السرقة، الابتزاز والاحتيال. فالرشوة هي عرض أو دفع أو قبول أي عنصر يحمل قيمة مادية معينة للتأثير على أفعال وتصرفات أي شخص يعمل في مكان ما. ويمتدّ هذا التأثير على المجتمع كلّه في جميع عناصره من اقتصادية وغيرها، بحيث تؤدي الرشوة أيضًا إلى خسائر مالية وخسائر في صحة توزيع الخدمات، وتؤدي أيضًا إلى ضعف ثقة الأفراد في المؤسسات.
من جهتها، يمكن تعريف الواسطة والمحسوبية بأن يقدم أحد الأشخاص امتيازات لشخص معين بناءً على علاقته به وصفاته بدلاًا من مهاراته في العمل. ومن تأثيراتها قلة الحافز والإنتاجية في المجتمع، وفقدان الثقة في المؤسسات وأخيرًا منع توظيف الكفاءات. أما بقية الأمور من سرقة وابتزاز وتحايل، فهي أمور نراها بشكل يومي في السوق اللبنانية بحيث يعمد بعض التجّار إلى التذرّع بدوافع عديدة من أجل ضمان أرباح عالية مع اعتماد الغش – الذي هو تغيير في حقيقة المنتج – وهذا الربح السريع يقلل من ثقة الفرد في نوعية السلعة والتاجر. إذًا، هذه مجموعة من أوجه الفساد الثقافي في لبنان التي تؤدي بالقيم اللبنانية الأصيلة إلى الزوال والانقراض. وهنا نتساءل، لبنان إلى أين في ظلّ هذا الفساد البنيوي في هيكلية لبنان الثقافية!؟ أين الإعلام اللبناني من إعادة تعزيز القيم الوطنية والمواطنة في الفرد؟ إلى أين نحن ذاهبون؟
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.