كتب سليمان جوزيف فرنجيه…
التعميم هو نوع من أنواع التجريد، تُصاغ فيه الخواصِّ الشائعة لحالاتٍ من مجموعةٍ ما، بهدف تطبيقها على أنّها مفاهيم عامة أو ادّعاءات على جميع عناصر المجموعة. يُستعمل التعميم لبناء نَموذجٍ مُجرَّدٍ وبهذا يُعَدّ أحد أساسات الاستنباط في المنطق والرياضيات والعلوم. لكن عملية التّأكد هي أيضًا أساسية في تحديد صحّةِ تعميم ما من عدمه. في هذه المقالة، سنثير وعي المواطن اللبناني حول مفاهيم شائعة لديه لينتبه من سياسة التدمير التي يعتنقها في حياته اليومية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ليس كل تعميم جهلٌ، إنما الجهل فيمن يجهل السياقات والأعراف، فقولي «الأصدقاء نبلاء» تعميم، والواعي يفهم أن هذا الأصل، ويفهم أن هناك أصدقاء غير نبلاء. والتعميم الذي يجب تمحيصه ما دل على شمول مثل «كل الأصدقاء نبلاء».
لبنان، هذا البلد الصغير بحجمه الكبير بمشاكله، يرزح تحت ثقل الفساد والتعميم في الأشياء. في مقالة سابقة لنا تحت عنوان ” الفساد الثقافي في لبنان!”، ذكرنا التالي: “على الصعيد الاجتماعي، أصبح الفساد هو الخبز اليومي للمجتمع اللبناني، يدخل الفرد إلى مكان، حيث تكون مصلحته الخاصة قبل المصلحة العليا والعامة. فعلى سبيل المثال، يدخل إلى الإدارة العامة ويريد إنهاء معاملته قبل الجميع بمعزل عن رأي الفرد في الروتين الإداري. وفي هذا المثل كما غيره من الأمثلة العديدة، نرى الأنانية والفردية التي تشكّل خطرًا على أي مجتمع، الأنانية التي تريد كل شيء لها بما يتوافق مع مصلحتها”.
هذا ونرى من جهة على مواقع التواصل الاجتماعي خبرًا أو معلومة غير معروفي المصدر، ويصبحان حديث المجتمع. فهذا الخبر الذي يدمِّر فردًا من أفراد المجتمع ودون تفكير أو محاكمة يعرّض هذا الأخير لأن يتّسم بأنه مجرم خطير ذو صحيفة حمراء ويجب محوه عن وجه الأرض وأن يدخل في سياسة اللاوجود في قلب المجتمع. كما يصبح هذا العنصر الناشط، الجيّد مع مرور الوقت، طرفًا محطّمًا على كلّ الأصعدة، وذلك يسمّى في الدين “قتلاً”، بمعنى قتل السمعة والصيت الحسن للإنسان. ففي الواقع، نرى في لبنان بعض الصفحات الصفراء المشوّهة التي تبثّ أفكارًا مريضة غريبة عن النسيج اللبنانيّ الثقافيّ والاجتماعيّ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر،أن هذا الفنّان أو ذاك تزوّج فلانة ولكن “في إنّ بالموضوع”. هكذا يكون العنوان ولكن عند الدخول نرى أن المحتوى هو مضيعة للوقت والباقات.
من جهة أخرى، وعلى صعيد الدولة اللبنانيّة كبنيّة إداريّة، يظهر فشل السياسات الإداريّة اللبنانيّة المتبعة جليًا. فهذه السياسات التي بنيت على تكوين المصالح العليا للسياسيّين والمنتفعين من رجال أعمال ومن دائرتهم الضيقة، جعلت الإدارة العامّة في تضعضع ما لبث أن بدأ يكبر على مدار السنين. أضف إلى ذلك أن هذه السياسات أهملت الكادر البشري الوظيفي والمستلزمات الوظيفية من بنى تحتيّة وماكينات وغيرها، إلى أن وصلت هذه المستلزمات إلى مرحلة التلف في الوقت الحالي. كما ويعاني موظفو الإدارات العامّة في لبنان من نقص بالاستجابة إلى متطلباتهم اليوميّة في العمل وذلك من أجل تحقيق الإنتاجيّة اليوميّة في العمل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا أراد المواطن الاستحصال على معاملة من الإدارة “أ” يذهب إليها في يوم معين ويرى بأن النظام المشغِّل فيها معطَّل أو ليس هناك من قرطاسيّة، بينما نرى مؤسسّات أخرى في هذا القطر لديها فائض من القرطاسيّة أو سرعة الأنظمة التي فيها.
في هذا الصدد، تعاني الإدارة اللبنانيّة كباقي النسيج اللبناني من الضائقة الاقتصاديّة. يأتي البعض ويقول “كلّ موظفي الدولة فاسدين” و”ما في دولة”، دون الوعي لخطورة هذه المقولة ومدى تأثيرها على المواطنة في لبنان. قمن أساسيّات المواطنة هو الإيمان في هذا الوطن مهما فَسُد. “الوطن عند المسيحي (وكل مؤمن) هو الأرض التي قسمها الله له، فهو يحبّها لأنه يحبّ عطيّة الله” هذا الكلام يعود إلى البطريرك المكرّم إلياس الحويّك في رسالته “محبّة وطن” الصادرة سنة 1930. فالدولة هي الوطن، والدولة هي كلّ عناصر المجتمع، من الصغير إلى الكبير، من السياسي إلى الزبّال، الدولة هي كلّ عناصر المجتمع.
إن تعميمات كهذه في لبنان تضرب النسيج اللبناني. وهنا نسأل، هل يفكِّر الفرد في مقولته عندما يجمل الجميع بكلامه؟ فمثلاً أليس بفساد أن “يتشاطر” اللبناني كي لا يدفع ضريبته إلى الدولة أو عندما يدخل إلى إدارة معيّنة محمَّلاً بواسطة كبيرة لكي يضغط من أجل سير معاملته غير القانونيّة؟ في الواقع، لا يفكِّر اللبناني بأن أخاه اللبناني يعاني مثله، فلا إمكانيّة للطبابة وتعليم الأولاد، ولا إمكانيّة لتأمين أدنى مستلزمات الحياة عدا عن القيمة السوقيّة الغالية للنفط في لبنان وأن وسائل التنقّل العامّة في غياب تامّ والوسائل الخاصّة غالية. في الختام، نسأل إلى متى سنسير في هذا المسار الانتحاري؟ والعدوّ هو جالس يأكل الأبو شار “Popcorn” ويضحك بينما نحن ندمِّر وطننا ونعمِّم ثقافة الفساد، والسلبية في قلب المجتمع. فعلاً، إلى أين؟