كثف الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة حركة طيرانه المسيّر في الأجواء اللبنانية، إذ تكاد سماء البقاع والجنوب وضاحية بيروت الجنوبية والعاصمة نفسها تشهد حركة مستمرة لمسيّرات استطلاع على علو منخفض، تخترق الأجواء بلا انقطاع، ما يثير المخاوف من أن تكون إسرائيل تجمع بنك أهداف جديدة لاستهدافها في أي حرب مقبلة.
وتحدثت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية الأربعاء عن طلعات فوق غالبية المناطق اللبنانية، تشي بمرحلة تتجاوز المراقبة الروتينية، بحسب ما يقول خبراء.
ضغط نفسي وتحديث بنك الأهداف
يقول خبراء إن المسيّرات الإسرائيلية اليوم لا تؤدي وظيفة واحدة؛ فمن جهة، تمارس ضغطاً نفسياً على اللبنانيين بإبراز السيطرة على أجوائهم، ومن جهة أخرى، تعمل على تحديث بنك الأهداف الإسرائيلي، على غرار ما كانت تقوم به خلال الحرب الأخيرة، بما يسمح لها بجمع صور وبيانات آنية عن مواقع، وبنى تحتية، ومراكز انتشار.
وازداد المشهد الميداني تعقيداً مع إعلان المتحدثة باسم «اليونيفيل» كانديس آرديل سقوط مسيّرة إسرائيلية داخل المقر العام للقوة الدولية في الناقورة. ورغم تأكيدها أنها لم تكن مسلحة، بل مزودة بكاميرا، شددت على أن الحادثة «انتهاك واضح للقرار 1701، ولسيادة لبنان»، مؤكدة أن البعثة ستقدّم احتجاجاً رسمياً.
تزايد وتيرة التصعيد
وأشار عضو كتلة «التنمية والتحرير” النائب محمد خواجة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن وتيرة التصعيد الإسرائيلي في الجنوب «تصاعدت بشكل ملحوظ خلال الأيام العشرة الأخيرة»، مشيراً إلى أن هذا التصعيد «تجلّى في ارتكاب سلسلة من الجرائم بحق المدنيين، أبرزها استهداف محيط مستشفى تبنين الذي أدى إلى وقوع ضحايا، إضافة إلى المجزرة التي وقعت قبل يومين في بلدة بنت جبيل، وراح ضحيتها أفراد عائلة كاملة بينهم أطفال».
وأوضح خواجة أن «هذه الجرائم تأتي في سياق الضغط الإسرائيلي المتواصل على لبنان، وهي ترافق وصول المبعوثة الأميركية الأخيرة التي لم يلمس اللبنانيون أي أثر جدي لدورها، وكذلك مع التصريحات السلبية الصادرة عن المبعوث الأميركي توم براك الذي حمّل الدولة اللبنانية وجيشها مسؤوليات باطلة، بما يشجع الجيش الإسرائيلي على المضي في عدوانيته».
وكان المبعوث الأميركي توم براك حمّل الدولة اللبنانية والجيش مسؤوليات إضافية، بينما سرّبت تقارير إعلامية عن مصادر دبلوماسية أنه أعرب في لقاءات على هامش اجتماعات نيويورك عن قلقه الجدي من عودة الحرب الإسرائيلية إلى لبنان.
وأكد خواجة أن «السياسة الأميركية لم تعد تحمل أي تمايز بين إدارة وأخرى، بل باتت تنتهج تبنياً كاملاً للمشروع الإسرائيلي، سواء في لبنان أو فلسطين أو غيرهما، الأمر الذي يفتح الباب أمام إسرائيل للتفكير بخيارات أكثر خطورة تتجاوز حدود التصعيد القائم».
وعن طبيعة هذا التصعيد، قال خواجة: «اليوم نحن أمام تكثيف في الضربات والاستهدافات، وفي ظل غياب قوة رادعة وانحياز الوسيط الأميركي، يصبح احتمال توسع العدوان قائماً».
سيناريوهات مفتوحة
وترفع تلك التصريحات والتحركات الإسرائيلية من وتيرة المخاوف من تصعيد إسرائيلي جديد. ويقول الخبير العسكري العميد المتقاعد خالد حمادة إن «المؤشرات توحي بأن إسرائيل تسعى إلى إبقاء خيار الحرب مطروحاً عبر تحديث بنك أهدافها، وإشعار لبنان بأن المواجهة قد تندلع في أي لحظة»، مضيفاً أن «الخيار الإسرائيلي اليوم يقوم على الحرب الدائمة، فإسرائيل ترى أن الخروج من المأزق الذي عجزت عن تجاوزه بعد الحرب على غزة، وفشلها في تحقيق تهجير الشعب الفلسطيني أو ضم غزة، وفرض واقع جديد على المنطقة يمر عبر ترجمة هذه الحرب المفتوحة في الساحة اللبنانية».
واعتبر حمادة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكومة اللبنانية تتعثر في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وإيجاد سقف زمني لخطة تُمكّنها من تسلم سلاح (حزب الله)، وهو ما يجعل الضغط يتزايد». وأضاف: «خلال الأيام العشرة الماضية شهدنا تصعيداً كبيراً في كل مكان، وأعلنت إسرائيل بوضوح أنها ستتعامل مع أي تهديد أو بوادر تهديد من الحزب، سواء بأسلحة تقليدية، أو غير تقليدية، من دون أن تنتظر تحوّل هذا التهديد إلى خطر فعلي».
ولفت حمادة إلى أن «الكثافة في استخدام المسيّرات اليوم تأتي استكمالاً لكثافة العمليات العسكرية». وأضاف: «بات لبنان أكثر ترشيحاً لأن يكون الساحة المقبلة لعملية عسكرية واسعة». وتابع: «نحن اليوم أمام مرحلة يتزايد فيها منسوب المخاطرة، مع احتمال كبير لحرب قد تشبه إلى حد بعيد ما جرى في غزة تكون قائمة على تدمير للتجمعات السكانية، ولبنية (حزب الله) الاجتماعية، في محاولة لإنهاك هذه البيئة، ومعها إنهاك الدولة اللبنانية التي ستُدفع إلى موقع العاجز عن اتخاذ أي مبادرة».