كتب عوني الكعكي:
أتساءل كثيرا، ونحن في قعر الهاوية، عمّا إذا كان هناك بلد آخر في العالم يشبه لبنان. والتساؤل هذا يحمل في طيّاته نواحي إيجابية وأخرى سلبية… لكن السلبيات وللأسف الشديد تكاد تطغى على الايجابيات، أو فلنقل إنّ السلبيات قضت على كل ايجابية في هذا الوطن… ولأبدأ أولاً بإيجابيات لا بدّ منها وأنتقل بعدها الى السلبيات:
أولاً: لقد أنعم الله تعالى على لبنان، فأوجده في غاية الروعة والجمال: مناخ رائع، ومناظر خلاّبة، يشعر المقيم فيه والزائر له بروعة التنقل من طقس الى آخر في زمن قصير جداً… فهو يتمتع بسحر الشاطئ ويمارس هواية السباحة… وفي أقل من نصف ساعة ينتقل الى الجبال الرائعة… فيمارس رياضة التزلج إذا أراد، أو يستمتع بالجو المنعش والهواء العليل.
ثانياً: شعب طيّب مضياف وعريق… هو شعب لبنان الكريم، يكرم ضيوفه ويعاملهم بكل محبة وتقدير واحترام… همّه الأول والأخير بَثّ السعادة والفرح في أنفس الزائرين.
ثالثاً: تميّز اللبناني بذكائه واندفاعه للعمل الجاد… فاللبنانيون مخلصون، يؤدون أعمالهم بأمانة ودقّة متناهية. من أجل ذلك تجد اللبنانيين في دول العالم يتسلمون المناصب الرفيعة. فمنهم السياسيون ورجال الأعمال من أصحاب أكبر الشركات.
رابعاً: يقال حسب مراكز الإحصاء إنّ هناك ما لا يقل عن 16 مليون لبناني ينتشرون في أصقاع العالم كافة… وهم بهذا يشكلون تقريباً أربعة أضعاف اللبنانيين المقيمين في ربوع لبنان… 50٪ من المنتشرين لا يزالون على علاقة ثابتة ودائمة بلبنان… أما الباقون من الأجيال القديمة فإنّ علاقاتهم بلبنان شبه معدومة إلاّ البعض ممّن له أقرباء من المقيمين.
الجدير ذكره أنّ ما لا يقل عن أربعة ملايين لبناني هم من الأثرياء وينافسون الكثيرين من أثرياء العالم أيضاً.
خامساً: هذا في الخارج… أما نحن هنا في لبنان، وللأسف الشديد، فنختلف عن اللبنانيين المنتشرين في الخارج، كما نختلف في الوقت نفسه عن شعوب بقية دول العالم. ولأبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية…
أ: لقد اعتدنا و»تمسح جلدنا» على اللجوء الى الفراغ حين نريد انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولأبدأ بالعام 1989، حين لم توافق سوريا على التجديد للرئيس أمين الجميّل… فنكاية بسوريا وبالأسد وبلبنان، كلّف الرئيس الجميّل قائد الجيش -يومذاك- الجنرال ميشال عون بتشكيل حكومة عسكرية، هدفها الأوّل والوحيد انتخاب رئيس للجمهورية.
وَشُكّلت حكومة عون في ذلك الوقت من:
العماد ميشال عون عن الموارنة، والعقيد عصام ابو جمرا عن الروم الأرثوذكس، والعميد إدغار معلوف عن الروم الكاثوليك، والعميد محمد نبيل قريطم عن السنّة، والعقيد لطفي جابر عن الشيعة، واللواء محمود طي أبوضرغم عن الدروز. وهنا أذكّر باستقالة الوزراء المسلمين الثلاثة… وظلّ الثلاثة المسيحيون فقط في الوزارة.
كما أذكّر أيضاً بتمسّك عون بالكرسي في بعبدا وشنّه حربي التحرير والإلغاء، ولم يخرج من القصر إلاّ بعد سماع صوت طائرة «السوخوي» فوق القصر تاركاً زوجته وبناته الثلاث في القصر، وهرب بالبيجاما الى السفارة الفرنسية في مار تقلا… والقصة باتت معروفة.
ب: بعد ميشال عون وحكومته العسكرية جاء «الطائف» وانتخب المرحوم رينيه معوّض رئيساً… لكنه اغتيل بُعَيْد انتخابه في عيد الاستقلال.
جـ: انتخب المرحوم الياس الهراوي رئيساً فشهد لبنان بعضاً من الاستقرار.
د: بعد الهراوي انتخب قائد الجيش في ذلك الوقت إميل لحود، فكان همّه الأوّل: عرض المايوهات والسباحة. فانحدر لبنان في عهده الى الأسوأ.
هـ: بعد لحود واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقع لبنان في أزمة حكومة.. وكان 17 أيار، مدخلاً لفتنة داخلية تبعها «مؤتمر الدوحة» الذي جاء بالعماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بعد عام ونصف العام من الفراغ.
و: بعد ولاية الرئيس سليمان… وقع لبنان في فراغ لمدة عامين ونصف العام تقريباً، لتمسّك حزب الله بميشال عون… وبعد «اتفاق معراب»، انتخب ميشال عون رئيساً، فكان عهده أسوأ عهد في تاريخ الجمهورية اللبنانية. لقد بشّر عون بجهنم قبل وقوع اللبنانيين فيها، في ردّه على إحدى الصحافيات.
ليس هذا فحسب بل سلّم عون مقاليد الحكم للصهر المدلّل، الذي راح يلهو بتشكيل الحكومات ويفرض شروطه مدعوماً بعمّه… حتى وصل اللبنانيون بالفعل الى قعر جهنم… فانهار الاقتصاد وبدأ القضاء على القطاع المصرفي، وتفكّك القضاء بعد «وضع» التشكيلات القضائية في الجارور.
ز: وها نحن اليوم وبعد حوالى الأشهر الخمسة من الفراغ بعد زوال حكم عون وصهره… نعيش فراغاً وسط تعنّت محور المقاومة والممانعة، ودلع «الولد» جبران، الذي أعتقد ان نموّه لم يكتمل بعد.
إنها المهزلة الكبرى…. اللبنانيون في وادٍ، وهم في وادٍ آخر..
اللبنانيون يعيشون الانهيار الأكبر والأفظع، وهم يتلهون بالمماحكات السياسية والكيدية.
وكأنّ القدر كتب على جباه اللبنانيين، معاناة لم يعرف التاريخ لها مثيلاً.
أوَبعدَ هذا كله… نحتاج الى برهان، على أن لبنان اليوم فريد من نوعه… لا يشبهه أي بلد آخر في العالم.