كتب حازم الأمين...
يصر الثنائي الشيعي في لبنان، أي "حزب الله" و"حركة أمل"، على أن تبقى حقيبة المالية في الحكومة العتيدة بيد وزير شيعي! هذا ما رشحت عنه المشاورات السابقة لتشكيل هذه الحكومة.
وفي هذا الوقت أصدرت الخزانة الأميركية قرارا بمعاقبة وزير المال اللبناني الأسبق علي حسن خليل، الشيعي، وممثل الثنائي في الحكومة، بسبب ما قالت إنه أقدم عليه لجهة توظيف الوزارة في خدمة "حزب الله". ونحن اللبنانيون، إذ ننأى بأنفسنا عما ادعته الخزانة الأميركية، في ظل إصبع التخوين المشهور في وجوهنا، علينا أيضا ألا نربط بين ما ادعته الحكومة الأميركية، وبين إصرار الثنائي الشيعي على الاحتفاظ بحقيبة المالية، ذاك أن الدافع إلى تمسك "حزب الله" و"حركة أمل" بوزارة المالية "ميثاقي"، ولا علاقة له بأدوار تؤديها الوزارة لمساعدة "حزب الله" على الالتفاف على العقوبات الدولية، أو بتسهيل عمل شركات قريبة منه وفوزها بمشاريع حكومية تدر على خزينة الحزب أموالا.
نحن اللبنانيون، وفي ظل أصبع التخوين والتلويح بالعقاب، مقتنعون بحرص الثنائي الشيعي على "ميثاقية" التشكيلة الحكومية. "الميثاقية" التي أفلس البلد في ظلها، ولم تحمِ أكثر من مليون مودع من إقدام الحكومة "الميثاقية" والمصارف، وهي مصارف ميثاقية أيضا، على سرقة معلنة لمدخراتهم، وهي أخيرا لم تحم العاصمة من انفجار شبه نووي تسببت به حكومة ميثاقية أيضا.
الطبقة السياسية المنبثقة عن هذه الميثاقية هي صاحبة هذا الفشل وهي التي ارتكبت عملية النهب الكبرى وهي من توجت فعلتها بتفجير هو الأكبر على مستوى الكون
لكن أمام الثنائي الشيعي مهمة أخرى، بعد أن اقتنعنا معه بأن دافعه للتمسك بوزارة المال "ميثاقي"، وهي اقناع المجتمع الدولي بهذه الحقيقة الناصعة. على الولايات المتحدة الأميركية، وهي للأسف، وبالأرقام، شريكنا الأكبر في السعي للخروج من حال الاختناق، أن علي حسن خليل كان على رأس وزارة المال لأسباب "ميثاقية".
لنضع الولايات المتحدة الأميركية جانبا، علينا أيضا أن نقنع فرنسا بذلك، فالمهمة هنا أسهل في ظل حسن النوايا الإيجابية التي أبداها الرئيس ايمانويل ماكرون. والفشل في إقناع فرنسا سيعني هذه المرة زج لبنان في مواجهة مع العالم، وهو، أي لبنان، لا يملك من عدتها شيئا، إلا إذا توهمنا أن الصواريخ التي أشار إليها ضيف "الميثاقية" إسماعيل هنية في زيارته الأخيرة إلى بيروت، يمكنها أن تتجاوز تل أبيب وتصل إلى باريس.
الخطوة البديهية المطلوبة في هذا السياق ترشيح اسم للوزارة، شيعي، لكنه لا يمت بصلة سياسية للثنائي الشيعي. المراوغة هنا لا تفيد، والعالم كله يراقب. لنقترح مثلا ناصر السعيدي، وهو اقتصادي لبناني (شيعي) سبق أن شغل منصب نائب حاكم مصرف لبنان، ولا تربطه علاقة بالثنائي الشيعي، كما بغيره من القوى غير الشيعية في لبنان.
وقعت كل كوارث الكون فوق رؤوسنا في ظله الميثاقية. سُرقنا في ظلها، وقُمعنا في ظلها، وجرى تفجير العاصمة في ظلها، وهذه كوارث لم تستثن أحدا من اللبنانيين
هل يقبل الثنائي الشيعي الميثاقي صاحب الأصبع التخويني بخيار مثل ناصر السعيدي؟ سيأتي الجواب حكما عبر رفع إصبع التخوين، وفي أحسن الحالات سيكون الجواب أن الميثاقية تقضي بأن يكون المنصب لـ"الشيعة"، وليس لـ"شيعي". الشيعة تعني بحسبهم الثنائي الشيعي، فالطائفة ليست أفرادا بل كيانا سياسيا وعاطفيا بدأ يتشكل منذ أكثر من 1400 عاما، والسعيدي تكون في سياقٍ آخر تماما، سياق قد يفضي به إلى حضنٍ إمبريالي، ما عاذ الله! والميثاقية هي علاقة بين مكونات وليست بين مواطنين. لا أفراد من دون طوائفهم ومذاهبهم، وخطوة الإتيان بشيعي إلى الوزارة، لا بالشيعة وبأحزابهم هو إخلال بـ"الميثاقية".
لكن السؤال يبقى حاضرا، وهو بماذا تفيدنا الميثاقية؟ أو من ماذا حمتنا الميثاقية. لقد وقعت كل كوارث الكون فوق رؤوسنا في ظلها. سُرقنا في ظلها، وقُمعنا في ظلها، وجرى تفجير العاصمة في ظلها، وهذه كوارث لم تستثن أحدا من اللبنانيين، ومن بينهم رعايا الكيان العاطفي المتشكل قبل أكثر من 1400 عام، والذين يدعي الثنائي الشيعي حماية حقوقهم عبر "الميثاقية"! الطبقة السياسية المنبثقة عن هذه الميثاقية هي صاحبة هذا الفشل وهي التي ارتكبت عملية النهب الكبرى وهي من توجت فعلتها بتفجير هو الأكبر على مستوى الكون.
وفي ظل الاستعصاء عن العثور على جواب عن الوظيفة الحمائية لـ"الميثاقية"، يفسح الثنائي الشيعي المجال للجواب الإمبريالي المتمثل في أن وظيفة "الميثاقية" المتمثلة بالتمسك بوزارة المال هي ما أدرجته وزارة الخزانة الأميركية بحق الوزير الأسبق علي حسن خليل. لكنه استنتاج سننأى بأنفسنا عنه ونتركه لأصحاب النوايا غير "الميثاقية".