كتب حسين طليس ...
"إن الصواريخ التي ستطال تل أبيب موجودة في العاصمة اللبنانية بيروت، وستنطلق منها". لم يلحق هذا التصريح الذي أطلقه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، من بيروت، تصفيقاً مدوياً أو حفاوة جماهيرية كما كان مرجواً منه. بل على العكس، فأبناء المدينة المنكوبة بواحد من بين أكبر الانفجارات في التاريخ، لم يسرّوا بزائر من خلف الحدود محاط بالمسلحين، يخبرهم بعد كل ما حصل، أنهم يعيشون بين صواريخ ذكية مجهزة لقصف المدن.
شغل اسم هنية الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي في لبنان، ليس ترحيباً، وإنما استنكاراً لتصريحاته التي أطلقها محاطا بعشرات المسلحين، في مشهدية كانت آخر ما ينقص البلاد، التي يترقب مواطنوها حلولاً دولية لأزماتها الاقتصادية والسياسية، تقوم بالأساس على استعادة الثقة الدولية بالبلد وأمنه وسيادة الدولة فيه، كمدخل لأي تعاون أو مساعدة، لتأتي "عراضات هنية"، بحسب ما وصفت، لزوم ما لا يلزم بالنسبة للبنان المنهك بآثار الحروب الإقليمية وتداعياتها على أهله.
"جاء من قطاع غزة، بعلم وإذن إسرائيلي إلى بيروت، ليهدد إسرائيل من بيروت؟ هذه المعادلات باتت مضحكة" يقول الصحفي والكاتب اللبناني، طوني أبي نجم، لموقع "الحرة"، ويتساءل: "ألم تكن غزة أقرب إلى تل أبيب من بيروت جغرافياً؟ لماذا لا يطلق إسماعيل هنية صواريخه من غزة إلى تل أبيب لماذا بيروت؟"
يرى أبي نجم أن زيارة هنية تأتي في سياق استعادة لبنان كساحة بديلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والإيراني الأميركي، وهذا ما لم يعد مقبولا أو مسموحاً به، "ما عادت هذه الأمور تمر على اللبنانيين، فالكل يدرك أن كل هذه الصراعات لا تصب إلا في مصلحة الأجندات الخارجية وليس مصلحة الشعوب وهي استفزازية لكل اللبنانيين اليوم ولمنطق وجود الدولة".
ضيف حزب الله
"هل هو ضيف الدولة اللبنانية؟ بأي صفة؟ ومن أرسل له الدعوة؟" يتساءل أبي نجم، في حين تبدي مصادر حزب الكتائب اللبناني، في حديث لموقع "الحرة"، استغرابها من الزيارة في الشكل قبل المضمون، وتبدي علامات استفهام حول من فتح صالون الشرف في مطار بيروت لهنية، وهو ما يتطلب علما وإذنا رسميا من السلطات اللبنانية، ولاسيما وزارة الخارجية".
أصبح "حزب الله" بحسب القيادي في تيار المستقبل، مصطفى علوش، "يستقبل من يريد ومتى يشاء من وفود ومقاتلين إيرانيين وعراقيين وغيرهم، صالة ضيوف الشرف في مطار بيروت باتت تحتاج إذن وموافقة من الحزب وليس من الدولة اللبنانية، قد يكون طلب إذن رسمي للزيارة وحصل عليها بطريقة رسمية ما، لكن هذا في الشكل أما في المضمون فقد جاءت في سياق بروباغندا محور الممانعة في لبنان".
حتى في الشكل، يرى أبي نجم أن من استدعى هنية إلى لبنان كان حزب الله وليس الدولة، "وكلنا شهدنا لقاءه الأساسي كان مع حسن نصر الله (أمين عام حزب الله) دون سواه، وتابعنا الكلام الصادر بعد هذا اللقاء، كل المعطيات تشير إلى أن حزب الله استدعى حماس إلى لبنان".
لماذا الآن؟
يرى قيادي في حزب الكتائب أن "هذه الزيارة قد أتت بعد أسبوع حافل بالمبادرات الدولية في بيروت، والسعي لحلحلة الوضع وتسهيل أمور لبنان، وبعد أسابيع من الكلام عن ضرورة الحياد والتزام لبنان به وعدم تدخله في صراعات المنطقة، وفيما دول عربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل، تأتي هذه الزيارة لتقول إن لبنان يجب أن يكون دائماً بوابة المواجهة في القضية الفلسطينية والقضايا العربية، حزب الله يدفع لبنان اليوم ليكون كما كان في الستينيات والسبعينيات، ومحور الممانعة يريد وضع لبنان في الواجهة وهذا ليس سراً من خلال الرسائل الواضحة التي صدرت عن طرف واحد وسط تنسيق علني".
"يريدون لبنان علبة رسائل إقليمية وهناك تخوف كبير من جره إلى مواجهة تحقق مكاسب إيران وبعض الفصائل الفلسطينية وحزب الله، بعد هدوء طويل للملف الفلسطيني على الساحة اللبنانية"، يقول القيادي الكتائبي. في حين يؤكد تيار المستقبل أنه "لن يقبل أن يكون لبنان ممراً او مقراً لأي أعمال عنف عشوائية وغير مفيدة، لا بل تضر بفلسطين ولبنان والقضية الفلسطينية".
ماذا يريد حزب الله من هنية؟
علوش يصف كلام هنية بالـ"فارغ، إذ لا يحمل أي تأثير فعلي وليس إلا إثبات وجود لمحور الممانعة وتحقيق مصلحة حزب الله بالقول إنه ليس محاصراً بمواقفه ولا يزال قادراً على الحركة، فيما الجولات الشعبية وتضخيم الزيارة إعلامياً لا يدل إلا على الحاجة وحجم الأزمة التي يعاني منها الحزب في لبنان، أما الثابت الوحيد فهو أننا كلبنانيين متضررون من هذه الزيارة، خاصة أن الإشكالية في المشهد تقع عند الدولة اللبنانية التي لم يصدر عن رئيس جمهوريتها أو حكومتها أي تعليق على تصريحات هنية".
يفند أبي نجم ثلاث رسائل بعث بها حزب الله عبر هذه الزيارة: "الأولى من إيران موجهة إلى الغرب والولايات المتحدة مفادها أن إيران تمسك بالورقتين اللبنانية والفلسطينية معاً. الرسالة الثانية مخصصة للولايات المتحدة وفيها تهديد بالقدرة على تفجير المنطقة، أما الثالثة فهي موجهة من حزب الله للمجتمع الدولي وفرنسا، يعبر فيها عن قدرته على نسف كل المبادرات والمساعي لأي تهدئة أو هدنة"، مؤكداً أن "من لديه نية بإصلاح الواقع اللبناني وتأليف حكومة لا يأتي في هذا التوقيت بشخصية كإسماعيل هنية ليطلق تصريحات بمثابة اعلان حرب ويضع لبنان على حافة المواجهة بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية".
القيادي الكتائبي يضع بدوره هذه الزيارة في إطار "شد الحبال بين الولايات المتحدة وإيران، والرد على المبادرة الفرنسية التي قد تؤدي إلى تحجيم دور حزب الله في الحكومة وتأثيره في المجريات السياسية اللبنانية. أما محلياً فترى أنه صراع مستمر بين منطقين، منطق تهدئة وبناء دولة ووضع لبنان أولا لنهتم بأنفسنا، ومنطق الاستقواء الدائم والحروب والتعدي والتكبر على كل المنظومات الدولية الناجحة".
يذكر أن زيارة هنية جاءت تحت عنوان المشاركة في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في السفارة الفلسطينية في لبنان، في سبيل "إنهاء الانقسام الفلسطيني".
وأتت مشاركة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من رام الله وحضور ممثلي الفصائل الفلسطينية في لبنان، ليزيد من علامات الاستفهام حول حجم تمثيل حماس في هذا الاجتماع والأسباب الحقيقية لزيارة ممثل بحجم هنية، خاصة وأنه أتى إلى بيروت بعد زيارة كان قد قام بها إلى تركيا واستقبله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهو ما قرأه البعض في لبنان بأنه تنسيق تركي إيراني على الساحة اللبنانية.
ما سر زيارة جنبلاط؟
زيارة هنية إلى بيروت تضمنت من خارج المشهد العام، لقاء جمع بينه وبين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، وهو ما أثار استغراباً لدى الحلفاء والخصوم على حد سواء، حيث أن جنبلاط يعتبر من الخصوم التقليديين لحزب الله في الحياة السياسية اللبنانية.
القيادي في الحزب الاشتراكي صالح حديفة، أكد في اتصال مع "الحرة" أن استقبال هنية جاء انطلاقاً "من موقفنا الثابت وهو دعم القضية الفلسطينية كقضية إنسانية محقة وعادلة وتنسحب العلاقة التاريخية التي جمعت الحزب الاشتراكي مع كافة الفصائل الفلسطينية على حماس التي تمثل شريحة واسعة من الفلسطينيين والعلاقة معها على هذا الأساس ولا شرط أن يكون هذا الاستقبال لجر البلاد نحو المحاور، بالعكس نحن مع تحييد لبنان عن كافة الملفات الخلافية باستثناء الصراع العربي الإسرائيلي".
وعن تصريحات هنية بشأن الصواريخ من بيروت، أكد حديفة أن الحزب ليس معنياً بتوضيح مواقف هنية وما يعنيه فقط هي حقوق الشعب الفلسطيني ومنع الاضطهاد والحرمان عنه وهذا ما تضمنته الزيارة".
صواريخ في بيروت وأسلحة في المخيمات
حديث هنية طرح مخاوف أمنية جديّة بالنسبة للبنانيين بشأن صواريخ مزروعة بينهم في ببيروت وباقي المناطق السكنية من لبنان، خاصة بعد ما عانوه من هول انفجار مرفأ بيروت، الذي دفع بالبلديات قبل زيارة هنية، بحسب الصحفي أبي نجم، إلى "البحث والتحري حول وجود مخازن صواريخ ومتفجرات في نطاقها البلدي، بسبب مخاوف المدنيين والرعب الذي تركه انفجار المرفأ ليأتي تصريح هنية ويؤكد أن لبنان كله بات على فوهة بركان نتيجة وجود هذه الأسلحة في أي مكان وتحت أي منشأة او بقرب أي حي سكني".
يضع حزب الكتائب كلام هنيّة بمثابة إخبار للأجهزة الأمنية اللبنانية، ولما تبقى من سيادة وطنية للتحرك من أجل انقاذ لبنان من احتمال وقوع أي انفجار ثان قد تتسبب به هذه الصواريخ، ولا تقلل المصادر نفسها من خطورة السلاح الذي ظهر في المخيمات التي استقبلت هنيّة، مؤكدة أن إزالة السلاح غير الشرعي باتت مطلباً وطنياً وليس فئوياً في لبنان، "ولسنا فقط ضد سلاح حزب الله بل ضد كل السلاح غير الشرعي وبينهم سلاح المخيمات والسلاح الفردي".
"كله يصب في خانة واحدة، هناك من لا يريد للبلد أن ينهض على رجليه لأن ذلك ينهي دور الميليشيات كحال حزب الله"، يقول القيادي الكتائبي، ويختم: "لا اقتصاد ولا نهضة ولا استقرار ولا سياسة بوجود هذه المشاهد في لبنان، لا أحد سيستثمر في لبنان ولن يُدفع دولار واحد للبنان طالما هذه المشاهد موجودة، من خلدة إلى الكورة إلى المخيمات إلى الحدود، وهذا يفقد لبنان الثقة الدولية وثقة المستثمرين والجهات المانحة والمساعدة، وكل ذلك مرتبط بجهة واحدة ويتم على يد الأشخاص نفسهم".