الخوف حالة إنسانية طبيعية، فأي حدث جلل يهدّد حياة البشر يجعلهم يخافون، وإن اختلفت درجة الخوف من إنسان إلى آخر، من القلق وصولاً إلى الهلع. والخوف من الموت طبيعة بشرية في الأيام العادية، من دون أن يكون هناك مرض معدٍ في المحيط، ومن دون التعرّض لحادث مروري مريع، ومن دون قذائف تسقط على رؤوس الناس. على الرغم من هذا الخوف، يمارس البشر حياتهم، وفي الحياة العادية، الناس يموتون أيضاً من الأمراض، ومن حوادث السير، ومن الحروب والنزاعات الأهلية. الموت مجاور لنا طوال الوقت، هو جزء أساسي من الحياة، ولا تكون بدونه، والحياة تعرَّف بنقيضها الموت. في مواجهة الموت، يجب اتخاذ إجراءات للحماية، كما في وسائل النقل التي تحاول حماية الركاب من الحوادث المتوقعة، أو وقائية من أمراض معدية، موجودة في كل وقت، في هذا المكان أو ذاك، وتزداد أهمية هذه الإجراءات الوقائية كلما كانت إمكانية الإصابة بالمرض أكبر. ولأن الوقاية من الأمراض المعدية مطلب أساسي، تزيد أهميتها مع تفشي فيروس كورونا الذي يجتاح العالم اليوم. وهناك ضرورة لحماية الفئات الأضعف من العدوى، لأن خطر إصابتهم مميت.
"الموت جزء من الحياة، وكورونا يضيف سبباً جديداً للموت بين أسباب كثيرة" |
يظهر فيروس كورونا بوصفه تحدّياً عالمياً، تحدّياً للجميع، لأنه لا يفرّق بين الدول الفقيرة والغنية، أو بين الأفراد الفقراء والأغنياء أيضاً، فهو يصيب الجميع في كل أقطار العالم. ولذلك، ستكون مواجهته من مسؤولية الجميع. والسؤال الذي يقفز فوراً ماذا تعني كلمة "الجميع"؟
بالتأكيد، الخطر واحد، ولكن إمكانية اتخاذ إجراءات وقائية واحدة في كل مكان غير واقعية، فالمعايير والمتطلبات التي تتحدّث عنها منظمة الصحة العالمية يمكن تطبيقها في الدول الأوروبية والدول المصنفة غنية. أما في الدول الفقيرة أو المناطق الفقيرة، فالالتزام بهذه التعليمات مطلب مشكوك في إمكانية تنفيذه، ويكاد يكون مستحيلاً، فلا يمكن ممارسة العزل في المناطق المكتظة،
"يشيع في الإعلام أن البشر يكادون لا يموتون سوى بكورونا، فيما الموت يحصد آلاف الأرواح يومياً لأسباب عديدة" |
في أوضاع العالم المشلول بسبب كورونا اليوم، يشعر المرء بالحزن على الذين يقضون بالفيروس، وبالغضب، لأن أناساً آخرين شركاء لنا على هذا الكوكب لا يملكون حماية أنفسهم، ليس من هذا الفيروس فقط، بل أيضاً من أمراض أقدم منه اختفت من أماكن أخرى في العالم. الغضب من عالم يعيش نقصاً مفرط بالعدالة بين الأفراد وبين الدول.
ملاحظة أخيرة، يشيع في الإعلام أن البشر يكادون لا يموتون سوى بكورونا، فيما الموت يحصد آلاف الأرواح يومياً لأسباب عديدة. بالطبع، أي وفاة لأي شخص محزنة، لكن الموت جزء من الحياة، وكورونا، على خطره، يضيف سبباً جديداً للموت بين أسباب كثيرة.