كتب محمد سلام…
بدأت إسرائيل فجر أمس الأربعاء الفصل الرابع من حملتها الجوية على حزب إيران والهادفة إلى تدمير منشآته العسكرية في لبنان وتجفيف ترسانة صواريخه البالستية ومسيراته الإنقضاضية بعد تدمير مصنعها الرئيسي في منطقة مصياف بسوريا، ما يدفع إلى التساؤل: “هل تحضّر إسرائيل لعملية برية في لبنان”؟
الإجابة الحاسمة عن السؤال حتماً غير متوفرة، لكنّ العملية البرية تبقى أبرز الفرضيات لفهم الهدف الخفي للحملة الجوية الإسرائيلية التي بدأت قبل 18 يوماً.
الجيش الإسرائيلي أعلن في بيان أنه خلال ليل الثلاثاء وفجر أمس الأربعاء “هاجم سلاح الجو الإسرائيلي نحو 30 منصة لإطلاق الصواريخ وموقعاً للبنية التحتية لحزب الله والتي شكلت تهديداً للمدنيين الإسرائيليين.”
وتقع المنصات المستهدفة في البساتين والأودية المحيطة ببلدات القليلة وزبقين والحنيّة ومجدل زون وطيرحرفا في القطاع الغربي من جنوب لبنان وعلى أطراف دير سريان وزوطر الشرقية في القطاع الأوسط.
كما قصفت مدفعية الميدان الإسرائيلية منطقة الضهيرة في القطاع الأوسط.
وتميز قصف أهداف الحزب بأنّ دوي إنفجاراتها قد سُمع في مدينة صيدا، على بعد 50 كلم إلى الشمال ما يعني أن الطائرات الحربية الإسرائيلية إستخدمت لقصفها قنابل إرتجاجية (Concussive Bombs) لتدمير أهداف عميقة تحت سطح الأرض، والتي ينتج عن انفجارها ارتجاجات تشبه الهزة الأرضية ودوي هائل.
الفصل الرابع من الحملة الجوية الإسرائيلية بدأ بعد بضع ساعات من دعوة وزير الدفاع يوآف غالانت جيشه للتأهب لاجتياح بري في لبنان يشبه ما حدث في غزة وقال إنّ مركز الثقل العسكري للجيش الإسرائيلي ينتقل من الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة نحو الشمالية مع “حزب الله”.
وكانت إسرائيل قد شنت ضربتها الإستباقية الأولى فجر يوم الأحد في 25 آب الماضي عندما نفّذت 100 طائرة مقاتلة، قرابة 200 غارة على أهداف في الشريط الحدودي جنوبي نهر الليطاني.
وبعد أسبوع نفذت إسرائيل ضربتها الثانية ذات الطابع الإستلحاقي فقصفت عدداً غير محدد من الأهداف في مناطق الغابات الكثيفة على ضفتي نهر الليطاني ، وكما الضربة الأولى، لم يصدر عن القصف أي تقرير بالإصابات أو الأضرار.
الضربة الثالثة نفذتها إسرائيل في سوريا واستهدفت المركز السوري للبحث العلمي Syrian Scientific Research Center الذي يحظى بحماية مشددة من قبل جيش النظام السوري في منطقة مصياف بمحافظة حماه في التاسع من أيلول الجاري وهو مصنع مشترك إيراني-كوري شمالي ينتج صواربخ بالستية ومسيرات إنقضاضية لصالح حزب إيران في لبنان.
وإستُهدف المركز فجر الإثنين الماضي بنحو 15 غارة دمرته بالكامل وخلفت 58 قتيلاً وجريحاً.
وبدا واضحاً من الضربة الجوية الثالثة أنّ إسرائيل تسعى إلى تجفيف ترسانة حزب السلاح الصاروخية وحرمانه من المسيرات الإنقضاضية التي يعتمد عليها لقصف أهداف إسرائيلية، ما يطرح سؤالاً فائق الأهمية:
هل ستتوسع الضربات الإرتجاجية الإسرائيلية التي إستخدمت الأربعاء في جنوب لبنان فتشمل الحدود اللبنانية-السورية بهدف تدمير شبكة الأنفاق التي يستخدمها حزب إيران وعصابات التهريب التابعة له لتمرير كل إحتياجاتهم من وإلى الدولتين؟
السؤال يبقى مطروحاً ويتزامن مع مسودة عرض نقلته شبكة سي.إن.إن. الأميركية عن منسق إسرائيل للرهائن والمفقودين جال هيرش ويتضمن الإشارة إلى “نظام جديد” في غزة وإقتراح بتأمين خروج سالم لزعيم حركة حماس يحيى السنوار وعائلته ومن يريد أن ينضم إليه من أنفاق غزة إلى حيث يريد لقاء إطلاق جميع الرهائن المتبقين مع فصائل في غزة.
وقال هيرش “إذا أعيد جميع الرهائن الـ 101 المتبقين، أعتقد أننا سنوافق على بناء ممر آمن للسنوار ولمن يريد الانضمام إليه للخروج من غزة”.
وإعتبر هيرش أنّ الإستجابة لإقتراحه كما نزع السلاح من القطاع وإنهاء التطرف “يمكن أن تساعد في استعادة غزة وإنهاء الحرب.”
وتحدث هيرش أيضاً عن “نظام جديد سيدير غزة” من دون كشف مزيد من التفاصيل، سوى تأكيده على أنّ إسرائيل ستكون “منفتحة” حيال إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين من سجونها، ما اعتُبر إشارة إلى القبول بالإفراج عن عميد الأسرى مروان البرغوثي الذي ذُكر أنه سيكون رئيساً لسلطة وطنية فلسطينية جديدة تحظى بدعم عربي وأميركي وأوروبي وقبول إسرائيلي شرط عدم وجود أي ممثل لحماس ضمن أعضائها.
هذا الوضع المستجد في غزة سيغرق لبنان في تناقض مع الشرط الذي أعلنه أمين عام حزب السلاح حسن نصر الله بربط وقف الحرب من جبهة جنوب لبنان بوقفها في غزة.
فماذا سيفعل الحزب إذا لم تتوقف الحرب في غزة بعدما بلغ مجموع خسائر جنوب لبنان منذ 8 تشرين الأول حتى العشرين من شهر آب الماضي 2412 إصابة، منها 619 قتيلاً بينهم 558 لبنانياً و61 من غير اللبنانيين إضافة إلى نحو ألفي جريح، كما تجاوز عدد النازحين ال 110,099 شخصاً ويرتفع يومياً باطّراد.
“رغم تصاعد الخسائر التي يتكبدها لبنان نتيجة فتح جبهة الإسناد لدعم غزة، إلا أنّ هذه الجبهة لم تحقق أي مكاسب ملموسة لغزة ولم تُلحق ضرراً بإسرائيل”، وفقاً لما يؤكده المحلل العسكري والاستراتيجي اللبناني، العميد المتقاعد يعرب صخر في حديث صحافي.
ورغم كل الحديث المحلي عن تفاؤل غير مرتبط بمعلومات دقيقة للتوصل إلى حل للمعضلة اللبنانية يقول دبلوماسي متابع عن كثب أنه “لا توجد نوايا حقيقية” لدى الدول العربية لتقديم أي مساعدة للبنان طالما بقيت منظومته السياسية تحت سيطرة حزب إيران.
ويوضح المصدر، الذي طلب عدم الإشارة إلى جنسيته وصفته، أنّ الحلول في لبنان “مؤجلة ما يزعج إسرائيل وقد يدفعها إلى إختراق خط جبهتها الشمالية مع لبنان لتحريك الوضع وفرض أمر واقع جديد.”
الملفت في هذا الصدد تصريح لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط قال فيه “يبدو وفق كلّ التوقّعات أنّ الحرب لن تنتهي، ولكنّنا فقط في بدايتها.”
وشدد على أن “حماية الأردن ضرورة، وكفى التّفكير بأنّ السلم الإبراهيمي هو الحلّ، أمّا في لبنان فالتّسوية هي الحل”.
وخلص جنبلاط إلى التوضيح أن ما أدلى به هو “مجرّد رأي من مراقب بعيد”.
الملفت في تصريح جنبلاط، الذي عُرفت عنه دقة توقعاته وأسلوبه المباشر في إعلانها، هو أنه وصف ما أدلى به بأنه “مجرد رأي من مراقب بعيد” وبدأ حديثه بعبارة “يبدو وفق كل التوقعات أنّ الحرب لن تنتهي” ما يرجح أن مسودة خارطة توزيع النفوذ الدولي الجديدة في المنطقة لم تظهر تفاصيلها بعد ولم تصل إلى الدوائر الدولية التي ينتمي إليها حزبه التقدمي الإشتراكي.
أما توصيته باللجوء إلى “التسوية” لحل المعضلة آاللبنانية فهي محاولة لإستيعاب التوتر الداخلي كي لا يتصاعد ويزيد حدة المأساة التي يعاني منها البلد.