كتبت دنيز عطا الله…
تسلل الكلام، مجدداً، عن انتخاب رئيس للجمهورية إلى الفضاء السياسي العام.
الملف الذي تراكمت فوقه الأزمات وتقدمته استحقاقات الحروب ونتائجها، بدا كأن جهات دولية ومحلية تحاول ضخ الروح فيه.
في السياق، يشير مصدر وثيق الصلة بالديبلوماسية الفرنسية لـ”المدن” إلى “فرصة لانتخاب رئيس للجمهورية يمكن أن “يقتنصها” لبنان”. ففي القراءة الفرنسية، وبعد “الهدنة” الضمنية التي تلت ردّ حزب الله على استهداف الضاحية الجنوبية واغتيال فؤاد شكر، “يمكن المراهنة على فرصة، ولو ضئيلة، تسمح لأصدقاء لبنان بالمساهمة في تعبيد الطريق لانتخاب رئيس”. يعتبر المصدر أن “من مصلحة جميع القوى السياسية اليوم ان تتوافق على رئيس، كلّ لأسبابها ودوافعها، التي ليست بالضرورة متشابهة ، لكنها تتقاطع عند الحاجة لرئيس للجمهورية”.
إشارات بلا أوهام
لا تستسهل فرنسا الموضوع، ولكن، حسب المصدر المطلع، فإن “الإليزيه التقط بعض الإشارات من الداخل اللبناني وتطور الأحداث فيه، التي يمكن البناء عليها لإثارة موضوع الانتخابات مجدداً”ً. لا أوهام لدى الفرنسيين إنما “إصرار حقيقي لاغتنام أي فرصة تُخرج البلد من أزماته. وفي الأجواء اليوم، ما يوحي بوجود تلك الفرصة، فعسى أن يتمكن اللبنانيون، بمساعدة أصدقائهم في العالم، من أن “يزمطوا” بانتخاب رئيس”.
يضع المصدر لقاء الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بالمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، بحضور السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، في السياق نفسه من “المساعي والحرص الدائم على تجنيب لبنان المزيد من الانهيار، واستكشاف إمكانية تحيّن الظروف لانتخاب رئيس”، من دون أن يعني ذلك مبادرة جديدة.
التفاؤل الفرنسي “المضبوط” الذي يلاقيه الكلام المتجدد عن استعادة “الخماسية” لمساعيها، بشكل منفرد لأركانها، أقله لجهة جسّ النبض ووضع الملف على طاولة البحث الجديّ، يجد صداه في الداخل اللبناني.
لكنه صدى لا يعكس بالضرورة فعلاً قائماَ بذاته. وما كلام كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في الموضوع الرئاسي أخيراً، إلاّ إشارة متكررة إلى تمترس الأطراف اللبنانية خلف مواقفها المعلنة والمعروفة. وفي الوقت نفسه، تحاول القوى السياسية إبقاء الباب موارباً، علّ ظرفاً ما يشرّعه على مصراعيه، ليدخل منه رئيس توافقي.
عودة موسمية أم جدية؟
يتخوف النائب رازي الحاج في حديثه إلى “المدن” من أن “تكون عودة الحديث عن انتخاب رئيس للجمهورية مترافقة، فقط، مع عودة النشاط النيابي إلى مجلس النواب مع بداية أيلول، وما تحمله من وجوب طرح الملفات الأساسية، وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية”. لكنه يراهن في الوقت نفسه على “تلمس كل المعنيين الضرورة القصوى لانتخاب رئيس”. يقول “صحيح أننا نتلمس حراكاً خارجياً متجدداً، من محاولات اللجنة الخماسية، إلى لقاء لودريان-العلولا، وما يعنيه من مؤشر لاهتمام سعودي متزايد بلبنان، إلاّ أن كل ذلك يبقى قاصراً عن الوصول إلى انتخاب رئيس إن لم يبادر اللبنانيون إلى ذلك”. ويشدد على “وجوب احترام الدستور وتطبيقه وانتخاب رئيس وفق آلياته التي لا تحتمل الاجتهاد”.
إلى ذلك انضم النواب الأربعة الخارجون من التيار الوطني الحرّ، إلى الساعين إلى محاولات إحداث خرق في الملف الرئاسي “من خلال تحالف وطني نسعى لتحقيقه لإنقاذ لبنان من حالة الفوضى والانهيار الحاصل، وإعادة تكوين السلطة وانطلاقة جديدة على كل المستويات”، كما قال النائب ابراهيم كنعان بالأمس بعد زيارة البطريرك بشارة الراعي في الديمان.
يرفض النواب المذكورون أي شرح أو تفصيل لـ”مبادرتهم” أو “فكرتهم”، فيما تؤكد مصادرهم أنهم “ككل المعنيين بالبلد ومصيره، نحاول السعي والعمل على هذا الملف”. وتضيف “نسعى في هذه المرحلة إلى توسيع التلاقي مع عدد النواب المستقلين، المسيحيين في المرحلة الأولى، ثم المسلمين، من أجل إيجاد تسوية وطنية تسبق الانتخابات الرئاسية وتسهلها”.
تتكثف العوامل والظروف التي تجدد الكلام، وتضخ الآمال بإمكانية انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية. لكنها آمال دونها تقاطعات داخلية وموازين قوى غير متوافرة، واهتمام خارجي، أميركي تحديداً، لا يبدو في أولوياته رئيس جمهورية لبنان، ووضوح المرحلة الآتية بعد حرب غزة والجنوب، وهي ضبابية.
وفي مثل هذه الضبابية تقيم اليوم رئاسة الجمهورية اللبنانية، منتظرة لحظة تقاطع مصالح وحسابات خارجية لملء الشغور في قصر بعبدا، طالما أن الرهان على قوى الداخل سقطت منذ زمن.