كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
يدخل التحقيق في تفجير مرفأ بيروت مرحلة جديدة من التعقيدات، بعدما رفض القضاء البلغاري أمس طلب لبنان تسليم مشغل سفينة “روسوس”، إيغور غريتشوشكين، مكتفيًا بالإبقاء عليه موقوفًا والسماح للمحقق العدلي بالانتقال إلى بلغاريا لاستجوابه. وقد أثار القرار اعتراض المدّعي العام البلغاري المشرف على الملف أنجيل كانيف، الذي أعلن عزمه استئناف الحكم، مشددًا على أن الضمانات التي قدمها وزير العدل اللبناني والنيابة العامة التمييزية كافية للتجاوب مع طلب الاسترداد.
وجاء قرار المحكمة في صوفيا بعد أكثر من ثلاثة أشهر على توقيف غريتشوشكين، رجل الأعمال الروسي – القبرصي، المشغل لسفينة “روسوس” التي نقلت نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، وذلك بموجب مذكرة توقيف غيابية أصدرها المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوّان وجرى تعميمها عبر الإنتربول عام 2020.
وخلال فترة توقيف غريتشوشكين، كثفت السلطات اللبنانية، السياسية والقضائية، تحرّكاتها الدبلوماسية والقانونية لاسترداده وفق اتفاقية التعاون القضائي مع بلغاريا. فأعدّت النيابة العامة التمييزية ملفًا متكاملًا لهذا الغرض، وأوفدت المحامي العام التمييزي القاضي إميلي ميرنا كلاس إلى صوفيا لتسليمه باليد إلى القضاء البلغاري وطلب إبلاغ الجانب اللبناني بأي متطلبات إضافية قد تضمن قبول طلب الاسترداد.
كما عمل وزير العدل عادل نصّار على شرح الموقف اللبناني للسفير البلغاري في بيروت، موضحًا أهمية استرداد غريتشوشكين والاستماع إلى إفادته، لما قد يحمله من معلومات جوهرية تمكّن المحقق العدلي من تتبع خيوط أساسية في قضية تفجير المرفأ، الذي أودى بحياة نحو 245 شهيدًا وضحية.
كذلك، حملت زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى بلغاريا ملف الاسترداد إلى الطاولة، ليعقبها إرسال تطمينات قضائية إضافية من بيروت، شملت تفصيلًا للمواد القانونية المدّعى بها على غريتشوشكين والتأكيد أنه لن يكون مهدَّدًا بعقوبة الإعدام.
وفي سياق الرد اللبناني، أضاف وزير العدل مطالعة جديدة دعمت موقف النيابة العامة التمييزية، مؤكدًا التزام لبنان بمحاكمة عادلة لإيغور غريتشوشكين وبضمان عدم صدور حكم بالإعدام أو تنفيذه بحقه.
رهان لبنان على استرداد مشغل “سفينة الموت” سقط مرحليًا أمس. ورغم إعلان محامية غريتشوشكين، إيكاترينا ديميتروفا، بعد الجلسة أن المحكمة تعتبر أن لبنان لم يقدم ضمانات كافية لعدم صدور حكم بالإعدام أو عدم تنفيذه في حال صدوره.
أما المدعي العام المشرف على القضية، أنجيل كانيف، فقال عقب الجلسة: “أعتقد أن القرار القضائي غير صحيح. وبصفتي المدعي العام المشرف على هذه الإجراءات، سأطعن بقرار المحكمة الرافض تسليم المطلوب إلى الجمهورية اللبنانية”. وأضاف كانيف في تصريح آخر: “المحكمة وافقت على جزء من طرحنا. ولم تأخذ إطلاقًا بدفع فريق الدفاع الذي زعم أن المحاكمة ذات طابع سياسي وأن المتهم لن يحصل على محاكمة عادلة. المسألة الأساسية هنا هي ما إذا كانت الضمانات المتعلقة بعدم فرض عقوبة الإعدام قد قُدّمت، وما إذا كانت صادرة عن جهة مختصة. وبما أن الضمانات قُدّمت من وزير العدل، إضافة إلى ضمانتين من جهتين أخريين هما المحكمة العليا والنائب العام في لبنان، أرى أن شروط التسليم متوافرة”.
ورغم توجه المدّعي العام البلغاري أنجيل كانيف إلى استئناف القرار، تكشف مصادر مطلعة لـ “نداء الوطن” أن وزارة العدل في لبنان تتابع مسار الاستئناف في بلغاريا، وأن الجانب اللبناني لن ينتظر إلى حين بت المحكمة في صوفيا بقرار الاستئناف؛ بل إن المحقق العدلي القاضي طارق البيطار سيجري بالتوازي الترتيبات المطلوبة للتوجّه شخصيًا إلى صوفيا لاستجواب غريتشوشكين، وأن ما قد يؤخره فقط، إسراع القضاء البلغاري في تحديد موعد له، بناءً على الاستنابة القضائية التي سبق أن أرسلها.
وتكشف المصادر أن البيطار لن يتوقف عند قرار منع السفر الصادر بحقه تعسفًا من النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات، ولا عند أي إجراء قد يعرقل مهمته، وأنه جاهز للانتقال إلى بلغاريا فور تحديد موعد الاستجواب، في خطوة قد تفتح الباب أمام كشف خيوط أساسية في الشبكة التي استقدمت وخزنت نيترات الأمونيوم المتفجّر في مرفأ بيروت.