شهدت الأيام القليلة الماضية تركيزاً هيستيرياً واضحاً من وسائل إعلام #قطر وتوابعها، وعلى رأسها قناة "الجزيرة"، على ما يُسمى "الجامية"، مع محاولة إلصاقها زورا وبهتانا بالمؤسسة الدينية التقليدية #السعودية.
تقرير الجزيرة وافتقاد المصداقيةخلاصة تقرير الجزيرة مفاده، أن "بروز الجامية كفرقة دينية جاء بالتزامن مع حرب الخليج الثانية بعد دخول القوات الأميركية إلى #السعودية، محملا بخطاب ديني يتحدث بصوت الحاكم ويبرر أفعاله".
هذه اللوثة التي أصابت إعلام قطر، تأتي ردا انفعاليا على تصنيف "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة يوسف القرضاوي كيانا إرهابيا، وهو القرار الذي أصدرته الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، والمقاطعة لقطر (السعودية ومصر والإمارات والبحرين).
اللافت في تقرير قناة الجزيرة القطرية عن "الجامية"، أنه انفعالي يفتقد للمصداقية التاريخية، والموضوعية العلمية، بل إن "الجزيرة" استندت في مادة تقريرها الملفق إلى كتاب لـ"أبو محمد المقدسي"، أبرز منظري #تنظيم_القاعدة، وكان الكتاب موجودا بخزينة أسامة بن لادن زعيم التنظيم، حسب ما كشفت "وثائق أبوت آباد" التي أفرجت عنها مؤخرا وكالة الاستخبارات الأميركية.

أبو محمد المقدسي
هذا النقاش يستدعي تسليط الضوء مجددا على جدل قديم عمره أكثر من ثلاثة عقود حول #الجامية، ومن هم أتباعها، وهل هو مصطلح متفق عليه؟
أهل الحديث والجامية ونشأة قديمةيرجع مصطلح "الجامية"، نسبة إلى عالم الدين والمحدث السعودي، من أصول إثيوبية، الشيخ محمد أمان الجامي، الذي اشتهر بتركيزه على علم الحديث، ومحاربة التقليد ومناصرة العقيدة السلفية إبان وقبل حرب الخليج 1990، ونسب بعد ذلك المخالفون هذا التيار من باب التنابز بالألقاب إلى اسم الشيخ الجامي.
وخلافا لما أفتى به تقرير #الجزيرة، لم تكن ولادة ما يعرف بتيار "الجامية"، مع دخول القوات الأميركية إلى السعودية لتحرير #الكويت من الغزو العراقي، إنما كان قديم النشأة مع قدم جذور تيار "أهل الحديث" في الشام والعراق ثم #الهند، مشتهرا بخلافاته مع المذاهب الأربعة حول مسألة التقليد المذهبي وأيضا حول مسائل في العقيدة، الأسماء والصفات والتصوف مع المذاهب الثلاثة.
الألباني إلى الجامعة الإسلاميةومن نجوم هذا "التيار" الشيخ محمد ناصر الألباني، ونقله بعد قدومه إلى #المدينة_المنورة، والتدريس بالجامعة الإسلامية، ومن تحت كنف هذا الشيخ ترعرع ما عرف لاحقا بالتيار الجامي الذي ركز على علم الأحاديث النبوية والتصحيح والتضعيف.

الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر
بعد حل جماعة #الإخوان_المسلمين وحظر نشاطها عام 1954م، من قبل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وقادها، ووفود أدبيات المؤسس الأول للإسلام الحركي أبو الأعلى المودودي الملهم لـ"سيد قطب"، إلى منطقة الجزيرة العربية، وكذلك جماعات "أهل الحديث" و"التبليغ"، انبعث من وسط هذه المدارس، ومن رحم الاختلافات البينية ما يعرف بتيار "السرورية"، الذي أخذ منحنى راديكالياً، فكانت "الجامية" من بينها.
وقد تزامن ظهور مصطلح السرورية مع بروز لقب الجامية، والعكس صحيح، كنوع من أنواع السجال الذي ظهر في تلك المرحلة.
الخلاف حول طاعة ولي الأمروبينما انحازت السرورية نسبة إلى الإخواني السوري محمد سرور، الذي حاول إظهار نفسه "سلفيا" مع انتمائه القطبي (نسبة إلى سيد قطب)، ظهر في ذات الوقت تيار يُعرف قبل ظهور الجامية هو "أهل الحديث"، بزعامة رجل الدين السوري محمد ناصر الدين الألباني.
وفي ظل المشتركات التي جمعت ما بين هذه المدارس، كان الخلاف الأبرز الذي ظهر من نقاشهم حول مبدأ طاعة ولي الأمر، ومآخذ السلفية، وأهل الحديث، علما أن مبدأ طاعة ولي الأمر قديم وممتد منذ نشأة السلطة في الإسلام.

سيد قطب
النشأة والصدام مع المؤسسة الدينية
نشأت الجامية أو المدخلية (نسبة إلى ربيع المدخلي)، كما يروج لها اليوم في نظر الإسلام السياسي كمصطلح موسع شمل كل من خالف الإخوان والسروريين سياسيا، في ظل ظروف حديثة ومعاصرة في الـسبعينات الميلادية، وتحديدا في قصة إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، التي كانت مسرحا لهذا الجدل، ورحما ظهر منه، وهي الجامعة التي كان يدرس فيها أساتذة عديدون من العالم الإسلامي، تبنوا الاجتهاد المطلق (تيار أهل الحديث).
وبسبب ذلك، دخل تيار الجامية مع المؤسسة الدينية التقليدية السعودية في صدام لاعتماد الأخيرة على المدونة الفقهية الحنبلية كأساس للاجتهاد، خلافا للجامية التي ترى بعدم التمذهب ملتقية في ذلك مع جماعة الإخوان المسلمين.
المثير للمفارقة أن تقرير الجزيرة أتى بالتزامن مع الكشف عن وثائق #أبوت_آباد التي مازالت تحمل الكثير من المفاجآت. ومن الملاحظات على تقرير الجزيرة أنه متوافق مع مقاربات القاعدة والجماعات الراديكالية بتعريف الجامية، فلم يكن تناولا علميا تاريخيا، وإنما تسطيحي تحريضي، متفرعا من ثنائية "الحاكمية والجاهلية"، والاستبعاد عن حياض الإسلام، تارة عبر شعار "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، وأخرى بدعوى موالاة "الغرب والكفار".

محمد سرور بن زين العابدين السرور مؤسس التيار السروري بجماعة الإخوان المسلمين
اقتباس الجزيرة من منظري القاعدة
فقد جاء التقرير تصويرا فنيا واقتباسا مطابقا لما جاء في أحد مؤلفات أبرز منظري الجماعات الراديكالية "أبو محمد المقدسي"، بعنوان "تحذير البرية من ضلالات الفرقة الجامية والمداخلية"، وهو ذات المؤلف الذي كان ضمن خزينة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مخبئه بباكستان، إلى جانب عشرات المؤلفات التي لا تبعد عن مثل هذه الرؤى والتنظيرات.
وكما جاء في مطلع ما كتبه المقدسي: "فإن الجامية والمداخلة ومن سار على نهجهم، ما هم في الحقيقة إلا لفيف من الضلال والمارقين والموالين لحكام بلادهم، فهم مجموعة من مشايخ السلطان ودعاته، بل كثير منهم من مخابراته ومباحثه وأنصاره وأوليائه"، مضيفا أنهم "خوارج مارقون على الدعاة مرجئة، زنادقة مع الطواغيت".
الجامي والتناقض مع التقاليد الوهابيةعودة إلى السرد التاريخي الموضوعي لم يكن ما يسمى بتيار الجامية منسوبا يوما إلى المؤسسة الدينية التقليدية السعودية، إنما كان على خلاف ذلك، متصادما مع نهج العلماء التقليديين باعتبار مرجعيتهم الوحيدة كانت تعود إلى أحمد بن حنبل دون تعصب، إلى جانب الأخذ من الفروع الفقهية الأخرى، فلم يكن لـ"الألباني والجامي ومختار الشنقيطي"، ممن وردت أسماؤهم في تقرير الجزيرة أي علاقة بوراثة التقاليد الوهابية.

ابن عثيمين
التحزب السياسي وتراث الشام
كان الالتقاء فقط في مسألتي نبذ التحزب السياسي، وهو تراث موجود سابقا في الشام وغيرها، إلى جانب محاربة الفرق المخالفة للعقيدة السلفية، وكشاهد على ذلك، لم يكن الألباني مذهبيا، وإنما خرج بفتاوى مختلفة ومخالفة عما ذهبت إليه المدرسة الدينية التقليدية، داعيا في الوقت ذاته إلى إسقاط المذاهب، فكان أن دخل على خلاف وتصادم مع العلماء الرسميين في السعودية انتهت بترحيله من البلاد.
السرورية والجامية وابن باز وابن عثيمينفي الوقت ذاته سعى تيار الجامية كما فعلت السرورية إلى الاستفادة من الشرعية الوهابية رغم الاختلاف مع المؤسسة الدينية التقليدية الملتزمة بالمدرسة المذهبية "الحنبلية"، في عدد من القضايا التي حاولوا عدم تسليط الضوء عليها.
وعمدوا إلى التقرب من علماء الدين التقليديين، كما حاول فعله الصحويون "إخوان وسروريون"، للاستفادة من وهج بعض الرموز الشرعية الداخلية، كان أبرز رموز المؤسسة الدينية التقليدية السعودية مفتي البلاد الشيخ عبد العزيز بن باز والفقيه محمد بن عثيمين.
الحنبلي السلفي والصوفي الأشعريساعدهم على ذلك أن كان "الجامية" أول من انشغل بالخلافات التقليدية مع الإخوان المسلمين، محذرين الوهابية التقليدية من الخطورة العقائدية لجماعة الإخوان وفق المنهج الحنبلي السلفي ومدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بالتركيز على البعد الصوفي "الأشعري" للبنا وعلى مخالفات سيد قطب لعقيدة أهل السنة والجماعة بالأسماء والصفات والقدر وتوحيد الألوهية.

حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان
وخلافا لما ادعاه التقرير بشأن الحظوة التي نالها الجامية، فلم تكن كتب الجامية ومؤلفاتها متوفرة على غرار الانتشار والاستحواذ لجماعة الإخوان وحليفتهم السرورية، وكذلك كان الحضور متأخرا في الصحافة.
قطر ونزع شرعية المؤسسات الدينيةتقرير الجزيرة لم يكن سوى كشف جلي لمساعٍ قطرية امتدت لأكثر من عشرين عاما لنزع شرعية المؤسسات الدينية التقليدية وعلمائها، تارة عبر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أنشأته واحتضنته برعاية وإشراف من رموز الصحوة من إخوان التنظيم الدولي، إلى جانب الفرع السروري منه، وتارة أخرى عبر استدعاء خصم الأمس "الجامية"، حتى باتت تهمة تستوجب نحر الرؤوس كما في أدبيات #داعش والقاعدة.