انا هلىء مرتاحة...

انا هلىء مرتاحة...
انا هلىء مرتاحة...

إشترك في خدمة واتساب

بهذه العبارة بدأت تخبرني قصتها، تلك السيدة التي لم تتجاوز الخامسة والثلاثون من العمر، بيضاء البشرة، ممشوقة القوام ، تمتاز بابتسامة جميلة تُزين محياها..  هربت من ويلات الحرب في سوريا ولجأت الى ربوع ، حاملةً معها اطفالها الثلاثة.

كان لا بد لي ان اسالها عن سبب ارتياحها، وسعادتها، رغم معرفتي بظروفها المادية الصعبة التي فرضت عليها العمل في مطبخ تديره جمعية لبنانية، تعمل فيه على اعداد الطبخات  المشهورة، في بلدها الام .

جاوبت على سؤالي بكل صراحة، فكانت تحكي وعيونها تضحك، وانا انظر اليها نظرة استغراب وتعجب، كانت تعبر عما تريد قوله بعيونها واشارات يديها وحركات وجهها وجسدها التي لا تهدأ، تقف، تجلس، تتحرك يمنةً ويسرة،، لدرجة انني شعرت وكأنها فراشة تطير من حولي، لا تدري اين تحط، او كمثل سجين كان محكوم عليه بالاعدام وفجأة دون محاكمة ابلغ بأن سوف يخلى سبيله..

فروت لي كيف انها كانت تعيش مع زوجها واطفالها الثلاثة، ( بنت وصبيين )، في ريف دمشق، حياة تعتبر تقليدية. تزوجت وهي في عمر الورود، حيث وجدت نفسها مع رجل يكبرها بعشر سنوات وتعيش معه في مكانٍ، يطلق عليه اسم القفض الذهبي. أنجبت منه ثلاثة اطفال، جعلوا من حياتها مليئة بالمسؤولية العائلية، لدرجة ان وقتها لم يعد يسمح لها بمتابعة دراستها رغم تفوقها المدرسي، ونسيت في خضم مشاغل البيت والاولاد بعضاً من هواياتها المحببة الى قلبها.

أمضت السنوات القليلة من فترة مراهقتها بالاستماع الى الموسيقى الاجنبية التي تعتبرها جزءاً من احساسها، ولكنها حين دخلت القفص الذهبي، اجبرها زوجها او سجانها على التخلي عن هواياتها وايضاً على الانصياع لكافة رغباته، بما فيها تحديد ذوقها الموسيقي، بما يتناسب وبيئته وثقافته المحدودة . وصل به الامر ان يأتي خلسة الى البيت، خارج اوقات دوامه ليسترق السمع، وليتاكد من انصياعها لاوامره، في تغيير طبيعة ذوقها. التزامه الديني الشكلي بل الوهمي خنقها واطاح بصوابها، خاصةً بعد  ان علمت بعلاقاته  النسائية المتعددة. واجهته وصارحته بالامر اكثر من مرة، وطلبت منه التوقف عن ملاحقة النساء، لما يتسبب لها من إحراجٍ وجرحٍ في نفسها لا يلتئم، ومن اساءة لكبريائها وعزة نفسها، ولكنه كان يجيبها بكل بساطة، الرجل في مجتمعنا حرّ .

عندها فاجأتني بجوابها، حين قالت: (فقدت ثقتي بالدين والمتدينين)، بسبب عدم مصداقية زوجي والتزامه الديني  الكاذب. ولكن كل معاناتها مع زوجها لم تمنعها من  البقاء على التزامها بحجابها ومواظبتها على تأدية فرائض الصلاة.

 واضافت لقد كان من ضمن مسؤولياتي، كما ذكرت هي في سياق روايتها، "ان اشتري مستلزمات المنزل، الى جانب العناية بشؤون المنزل، وأن اساعد أطفالي في واجباتهم المدرسية، وعندما يحين المساء اكون الزوجة المطيعة، واستعد في أبهى زينتي لاقدم نفسي للسلطان او بالاحرى للسجّان"...

أخبرتني انه كان يردد على مسامعها عبارة ( شو ناقصك ؟؟ اكلك موجود وحاجياتك متوفرة ).

بعد ان شرحت كل هذا، سكتت وهدأت قليلاً، ثم ضحكت والدمع يترقرق في عينيها، وقالت: الا يعلم هذا الرجل ان المرأة المخلصة الوفية والتي تحب بصدق، طعامها ليس الا كلمة حب، واحتياجاتها لا تتجاوز حنان وامان حبيبها الذي هو زوجها!!!!

وللعلم فهي وصلت الى لبنان مع أطفالها وامها واخويها وزوجتيهما، بعد ان اختفى زوجها في احد السجون منذ ستة سنوات ولا احد يعلم عنه شيئا..  وهي حاليا  تعمل وتهتم بتربية اطفالها بالطريقة التي تجدها مناسبة لها ولهم ولطفولتهم، تعطيهم من حنانها، وتعيش معهم لحظات فرحهم ولعبهم، وتحاول ايضا ان تسترجع الى جانبهم بعضاً من مراهقتها التي حُرمت منها.  وهي كما ذكرت لي تقطن حالياً مع اطفالها في غرفة من منزلٍ تتشارك فيه مع امها واخويها وعائلتيهما، لكنها مع ذلك كما اشارت تشعر بالسعادة والراحة.

كنت في حيرةٍ مما سمعت منها، وادركت من كلامها حجم معاناة المرأة بشكل عام و المرأة في مجتمعنا الشرقي بشكل خاص. فهي تتحمل اعباء البيت و الاولاد والعمل اذا كانت تعمل، بعد كل هذا يأتي الرجل وينظر اليها نظرة دونية، فهو يعتبرها من ضمن ممتلكاته وعليها الانصياع لرغباته واهوائه..

تركتني في حيرتي و ذهبت لاتمام عملها في المطبخ كما انها ختمت قصتها كما بدأتها قائلةً لي: ( عرفتي ليش انا مرتاحة هلىء؟؟؟؟)

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى