في ظلّ عودة الحديث عن وضع ملف قوننة الحشيشة على طاولة مجلس الوزراء، بغض النظر عن هوية المؤيدين أو المعترضين، يتراءى للبعض أنّ قوننة نبتة القنّب ترفد خزينة الدولة بإيرادات مهمة، الأمر الذي ينعش الاقتصاد والتجارة، ويعيش اللبنانيون ببحبوحة مستدامة. كما يُتاح للمواطنين تعاطي الحشيشة شرعاً، أضف إلى استعمالها طبياً.
هذا الحلم يتحقق في بلد غير لبنان، باعتبار أنّ تشريعه في دول غربية يخضع للرقابة والمحاسبة والشفافية، وهو الأمر غير المتوفّر في هذا البلد، ما يجعل النبتة خاضعة كغيرها من "الثروات" للمحاصصة، والوساطة، والمناقصات "الزعماتية". فتضع السلطة يدها على مئات ملايين الدولارات والتي هي حق المزارع، بحجة قوننتها، وإنْ كانت حقوق غير شرعية في دولة لا تزال لغاية اليوم عاجزة عن تأمين البديل، وتتخبّط في حلول غير عمليّة أو بالأحرى خاضعة لمصالح شخصية.
منذ عشرات السنوات، يُغلق هذا الملف ويُعاد فتحه على أمل الوصول إلى حلّ يرضي المعنيين، المزارع والدولة، خصوصاً أنّ الأخيرة استسلمت في اتلاف المحصول بالبقاعين الأوسط والشمالي، في حين أصرّ المزارعون على انتاجه وتصنيعه وبيعه للتجار غير الشرعيين، باعتبار أنها مصدر رزقهم الوحيد.
لكن المهندس الزراعي الخبير حسّان مخلوف يرفض تشريع حشيشة الكيف لأن تشريعها يخفّض سعرها، وتصبح شبيهة بتجارة التبغ والتنباك. ويشير في حديث إلى "ليبانون ديبايت" إلى أنّ النبة سعرها مرتفع تبعاً لعدم شرعيتها، باعتبار أنّ التاجر يخاطر في عملية بيعها. وتبلغ المساحة الزراعية لهذه النبتة ما بين 70 و80 ألف دونم، تمتد من شمال رياق باتجاه الحدود السورية شمالاً وشرقاً وغرباً، ويستفيد منها ما يفوق 50 ألف عائلة، ويُقدّر إنتاجها بـ2 مليار دولار سنوياً، وهي خاضعة للمزايدات، السوق السوداء، بحسب المنطقة المتوجهة إليها محلياً أو أوروبياً وعربياً.
وفي عدم تشريعها تستفيد الدولة وليس فقط المزارع والتاجر. فالمزارع هو الأقل ربحاً، إذ إنّه يبيع النبتة، فيشتري التاجر الأوّل المحصول بـ1000$، يقوم بإعادة تصنيعها فيبيع الهقّة (1200 غرام) لتاجر آخر بـ4000 $، تصل إلى بيروت بـ5000$، وإلى الخارج بقيمة 25000$. أمام هذه السلسلة التجاريّة، يستفيد المواطن والدولة، تبعاً لما يُعرف بالاقتصاد الأسود الذي خدم المصارف منذ الحرب اللبنانية حتى اليوم، وهذا ما خلق الدورة الاقتصاديّة اللبنانيّة.
ويرى أنّ وضع يد الدولة على المحصول يُخضعه للاستنسابية والوساطة كباقي الصفقات، متسائلاً، من يضمن حصول المزارع على حقه كما كان يحصل عليه سابقاً؟ وهل سيطاول توزيع ترخيص بيع المحصول للدولة جميع المزارعين، أم سيدعم كل وزير مزارع من دون آخر؟ هل الدولة على استعداد أن تدفع للمزارع مقابل الكيلو 4 آلاف دولار كما يفعل التاجر؟ وإذا عمدت إلى ذلك، تصبح الدولة بديلاً عن التاجر غير الشرعي". أضف إلى أن الدول الغربية لا تثق باللبنانية، وتعتبرها غير مؤهلة لتصدير الحشيشة، على الرغم من بيع متاجرها صنوف الحشيشة اللبنانية بأسعار مرتفعة، باعتبارها الأفضل، لكن عبر التجار.
ويرى أنه يصعب التمثُّل بالدول الأوروبية التي تعطي المواطنين كامل حقوقهم مقابل المحصول، باعتباره قضية اقتصادية اجتماعية، ويتم توزيع الرخص بطريقة عادلة بين المزارع الفقير والمتوسط الدخل، ولا تأخذ، على سبيل المثال، كميّة بـ100 دولار وتبيعها بـ10 آلاف دولار.
مشروع القانون المطروح في الدولة يطرح خلق مؤسسة تُعنى بإعطاء رخص بمساحات معيّنة، وتأخذ الإنتاج من المزارع وتصدّره، ويشكّك الخبير ذاته بهذه العملية القانونية في ظل غياب سلطة الدولة، ويبدو ذلك واضحاً من خلال المهرّب المدعوم، والتابع لجهّة معيّنة.
فعملية التصدير إلى الدولة الأوروبية والعربية، منها سوريا ومصر والأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر شتى الطرق، بحرياً، وبرياً، وجويّاً، تحتاج إلى غطاء سياسي. أضف إلى أنّ التاجر يبحث دائماً عن أساليب جديدة للتهريب، ومن هنا يُطرح السؤال: "من المستفيد في هذه العملية، الدولة، أم التاجر أم المزارع؟"، وفقاً لمخلوف.
يصرّ المهندس على الزراعة البديلة، وهي أفضل من التشريع، مشترطاً عدم القضاء على الحشيشة قبل بدء الانتاج برعاية الدولة. ويشير إلى أنه وفريقه عملوا على بعض المزروعات التي تناسب هذه الأرض وليست بحاجة إلى كميّة كبيرة من المياه، ولا حتى مبالغ طائلة، أو حتى إلى تبريد لتسويقها وليست بحاجة إلى عدد كبير من العمّال، ومنها الزعفران، ونباتات الغويّولي والتراكساتوم، و"جوجو با"، إضافة إلى زراعة الفستق الحلبي.