اذا كان “داعش” سقط عسكريا، وقُضي عليه في المناطق التي كان يفرض سيطرته عليها في سوريا والعراق في الأشهر القليلة الماضية، فإن مصادر دبلوماسية غربية تقول لـ”المركزية” إن تهديده لا يزال قائما بما أن عددا كبيرا من عناصر التنظيم تمكّنوا من الفرار وينتشرون حاليا في الصحراء بين سوريا والعراق وبإمكانهم تجميع قواهم وتنفيذ ضربات وعمليات إرهابية في أي لحظة. كما انهم قد ينجحون في الوصول الى القارة الافريقية. لذا من الضروري عدم تجاهل خطرهم أو الاستهانة به، لئلا يعاودوا نشاطهم لاحقا، فيسقطون الحلول والتسويات التي ترسم لأزمات المنطقة المتوقع ان تبصر النور هذا العام.
واذا كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تحدث امام أعضاء السلك الدبلوماسي عن ضرورة الانتصار على الارهاب، فهو رأى ان تحقيق هذا الانتصار لا يكفي بل من الضروري ربح السلم أيضا، مشيرا الى أن ذلك يحصل من خلال اشراك الجميع في الحلول العادلة ومراعاة حساسيات المنطقة.
هذا الموقف يعني، بحسب المصادر، أن “الاليزيه” يعتبر ان لا يمكن النظر الى الوضع في الشرق الاوسط بعين واحدة، واعتبارُ ان الارهاب له وجه واحد هو “داعش” فحسب. بل، لا بد من تفكيك المنظمات المسلحة كلّها المنتشرة في المنطقة، لأنها إما ضالعة في تعكير الاستقرار في البلدان العربية، أو انها تساهم في تغذية التطرف فيها. فاذا أردنا سلاما ثابتا وطويل الامد في الشرق الاوسط، ضروري النظر ايضا في واقع هذه التنظيمات، ومعالجته، وأبرزها “حزب الله” في لبنان والحشد الشعبي في العراق وانصار الله في اليمن.
وفي وقت تلتقي فرنسا في هذه الرؤية مع أكثر من دولة أوروبية ومع الولايات المتحدة الاميركية والدول الخليجية، تتحدث المصادر عن توجّه لدى مسؤولين أوروبيين لعرض مسألة السلاح المتفلّت في الشرق الاوسط، على طاولة الامم المتحدة في الاشهر القليلة المقبلة، حيث يتطلّعون الى استصدار قرار دولي يصدر عن مجلس الامن يقضي بمنع وجود اي سلاح خارج اطار الشرعية والمؤسسات في اي دولة، تحت اي مسوّغ أو مسمّى، بما يساهم في إرساء الحلول التي لا يمكن ان يُكتب لها عمر، اذا كانت “عرجاء” أو أبقت لفئات معينة في المنطقة فائض القوة الذي تتمتع به حاليا.
وليس بعيدا، تكشف المصادر عن توجه لدى الرئيس ماكرون للدعوة الى مؤتمر دولي لمحاربة الارهاب، سيعقد على الارجح في نيسان المقبل، ويخصص للبحث في أفضل السبل للقضاء عليه والتي يشكّل أهمّها تجفيف منابع تمويله، ولن تقتصر مناقشات المؤتمر العتيد على تنظيم “داعش” بل ستشمل التنظيمات المتطرفة كلّها.
وفي الموازاة، تعتزم فرنسا التحرك ايضا على الخط الايراني، لحث الجمهورية الاسلامية على التخلي عن مشاريعها التوسعية في الشرق الاوسط، عبر أذرع عسكرية تزرعها في دول المنطقة وتمدّها بالسلاح والمال، لأن أداء طهران هذا، يعكّر الاستقرار ويمنع صمود التسويات المنتظرة.
وتضيف: مع ان أكثر من مسؤول أوروبي لا يخفي استياءه من إبعاد بلاده عن مطبخ الحلول الاقليمية، حيث يتحرّك داخله، الجباران الدوليان الولايات المتحدة وروسيا، ومعهما بعض القوى الاقليمية كتركيا وايران والسعودية والاردن، فإن المصادر تقول ان فرنسا ستسير قدما في جهودها للتهدئة في الشرق الاوسط، منطلقة من النجاح الذي حققته في الملف اللبناني ابان أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض، علّها بمسعاها هذا، تفرد لنفسها مقعدا في نادي معدّي الحلول لأزمات المنطقة.