
وجه المستشار القانوني لنقابة المالكين المحامي شربل طانيوس شرفان كتابا مفتوحا الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جاء فيه: “حق الملكية هو حق أصيل للانسان وهو لصيق بشخصه ومرتبط بكيانه ووجوده، وهو حافز تشبثه بأرضه ووطنه. وحق الملكية هو حق مقدس في الرسالات السماوية ومكرس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية وفي الدستور الذي نص في الفقرة “و” من مقدمته على أن النظام الاقتصادي اللبناني حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة… ولكن في بلادنا قام المشرع بالتعدي على هذا الحق منذ أكثر من مئة عام، فأقدم على سن قوانين الإيجارات الاستثنائية المتعاقبة التي قيدت المالك وحرمته من التصرف بملكه من خلال ابتداع ما سمي ب”التمديد” القسري لعقود الإيجارات فأصبحت هذه العقود صكوكا أبدية يتوارثتها المستأجر أبا عن جد ببدل بخس لا يكفي قوتا… فأضحى المالك لا يملك في الملك سوى هذه الصفة التي حملت له ولعائلته المآسي والويلات”.
وقال: “فخامة الرئيس، إن قوانين الإيجارات الاستثنائية لم تعتدي فقط على حق الملكية، بل اعتدت أيضا على كرامة المالكين لأنها كانت ولا تزال أشبه بالغلال الذي لف على عنقهم، فباتوا ولا يزالون أسرى ومعتقلين لهذا الاحتلال المقنع بستر شرعي، ما جعل منهم أشبه بالغرباء على أرضهم وضاع أبناؤهم في المهاجر بحثا عن سبل العيش الكريم. أما الذين بقيوا على أرض الوطن فإن وضعهم الإنساني الأليم ماديا ومعنويا لم يعد يحتمل جراء هذه القوانين الظالمة التي سلبت منهم الحقوق وألقت عليهم الأعباء تتناهشهم الضرائب والرسوم والتكاليف الباهظة لترميم أبنيتهم التي أضحت هياكل متهالكة تآكلها الزمن، وباتت قنابل موقوتة تنبئ بالانهيار لا سمح الله، ومبنى فسوح في الأشرفية هو خير شاهد على المآسي والكوارث التي يمكن أن تحدث إذا لم يتم وضع حد سريع لها”.
ومن الناحية القانونية، قال: “شكلت هذه القوانين انتهاكا للمبادئ العامة الناظمة للتعاقد، وهي الحرية التعاقدية وسلطان الإرادة، وكانت ولا تزال سببا للاثراء بدون سبب مشروع لمواطن على حساب مواطن آخر وتعديا واضحا على المبدأ الدستوري المتمثل بالمساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، إذ أنها أفادت فئة المستأجرين من منفعة مبالغ فيها وعرضت فئة المالكين لضرر مبالغ فيه”.
اضاف: “فخامة الرئيس، لقد قلتم وتقولون بأن “العدالة المتأخرة ليست بعدالة”، فالعدالة بالنسبة للمالكين القدامى تأخرت كثيرا، ولكن ذلك أفضل من أن لا تأتي أبدا… فخامة الرئيس، اليوم ومنذ 28/12/2014، أصبح لدينا قانون إيجارات جديد بعد أن أشبع درسا وتمحيصا في لجنة الإدارة والعدل واللجان المشتركة في مجلس النواب، وتتلخص فلسفته بوضع حد للقوانين الاستثنائية عبر برنامج زمني يضمن للمستأجرين تمديدا إضافيا لمدة 12 عاما، يدفعون من خلاله بدل المثل تدريجيا على مدى 6 سنوات. وأراد المشرع من خلال هذا القانون إعادة حق المالك في التصرف بملكه (بعد 12 عاما) بدون أن يثقل كاهل المستأجرين، خصوصا ذوي الدخل المحدود منهم، وقد جعل الدولة طرفا ثالثا عن طريق إنشاء صندوق أو حساب مهمته مساعدة هؤلاء على تسديد الزيادات على بدل الإيجار، وفق آلية محددة في القانون، بالإضافة إلى الحوافز الكثيرة التي نص عليها لمصلحة المستأجرين. وقد تم تعديله بتاريخ 28/2/2017 ويدخل هذا التعديل أيضا في مصلحة المستأجرين، لا سيما لناحية تخفيض نسبة بدل المثل من 5% إلى 4%”.
وتابع: “هذا القانون وعلى الرغم من أنه لم يكن على قدر آمالنا كمالكين ولم يحقق العدالة بتحرير ملكنا فورا باعتبار أن الخسائر المتراكمة والمتفاقمة التي منينا بها ماديا ومعنويا عظيمة جدا، لدرجة أنها أصبحت غير قابلة للتعويض تبعا لفداحتها، إلا أننا رضينا به ونظرنا إليه بوصفه خشبة خلاص وقبلنا به كمدخل لحل هذه المعضلة المزمنة ولو على حسابنا مرة أخرى وذلك لوقف النزف الحاصل ولوضع حد للاستثناء الذي دام طويلا جدا ولم يعد مبررا، فلا يجوز شرعا وقانونا أن يصبح الاستثناء قاعدة”.
وأردف: “فخامة الرئيس، تضمن القانون الجديد وتعديلاته نصوصا تتعلق باللجان ذات الصفة القضائية التي أعطاها المشرع صلاحية تحديد المستفيدين من الصندوق، وأولاها اختصاص البت بالنزاع الذي يمكن أن ينشأ عند اختلاف تقارير الخبرة لناحية تحديد بدل المثل. فمن ناحية أولى، في ما يتعلق بالصندوق الذي يساهم بدفع الزيادات على البدلات للمستأجر الذي لا يتعدى مدخوله الشهري /3.375.000/ ل.ل.، فقد رصد وأقر له في موازنة العام 2017 مبلغا وقدره 30 مليار ليرة لبنانية كمساهمة أولى من الدولة لتغطية نفقات الصندوق، وهو بحاجة لإصدار نظام مالي بموجب مرسوم في مجلس الوزراء ينظم إدارة الأموال فيه ويحدد أصول الجباية والإنفاق إنفاذا لمنطوق المادة السادسة من القانون. ومن ناحية أخرى، ولجهة اللجان فقد تم تعيين أعضائها كافة من قبل الوزارات المختصة. فقام معالي وزير العدل بتعيين القضاة رؤساء هذه اللجان ومعالي وزير المالية عين مندوبي وزارته فيها وكذلك فعل معالي وزير الشؤون الاجتماعية، وقد اتمت لجنة مختصة في وزارة المالية الدراسات القانونية والاقتصادية لهذه الغاية. وهذه اللجان تحتاج لصدور مرسوم في مجلس الوزراء لإنشائها وتمكينها من ممارسة عملها وفقا للأصول وذلك استنادا لنص المادة السابعة من القانون، والآن أصبح الموضوع برمته لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء تمهيدا لوضع مشاريع المراسيم وعرضها على مجلس الوزراء لإقرارها وفقا للأصول الدستورية ونشرها في الجريدة الرسمية”.
وأضاف: “فخامة الرئيس، يرتكز قانون الإيجارات الجديد على المهل المتدرجة للخروج من معضلة الإيجارات القديمة، وقد نص القانون التعديلي على وجوب إنشاء اللجان خلال شهرين من تاريخ نفاذه أي أن المراسيم كان يجب أن تصدر منذ شهر نيسان 2017، وقد مضى على عدم إنشائها مدة تقارب السنةالآن ونحن اليوم دخلنا في السنة التمديدية الرابعة عملا بأحكام القانون الجديد، فباتت الحاجة ملحة جدا لصدور هذه المراسيم تبعا للمشاكل التي بدأت تتراكم من الناحية القانونية. فخامة الرئيس، المالكون والمستأجرون من الذين آثروا رفض تطبيق القانون الجديد، باتوا الآن يغرقون في النزاعات القضائية التي كانوا بغنى عنها لو كانت اللجان تعمل وتمارس صلاحياتها القانونية للفصل بالنزاعات الناشئة عن الاختلاف في تحديد بدل المثل وتحدد من هو المستأجر الذي يستفيد من تقديمات الصندوق، إذ أن هنالك بعضا من المستأجرين الميسورين ماديا يتلطون وراء محدودي الدخل منهم للتملص من موجباتهم القانونية والعقدية ويتمردون على تطبيق أحكام القانون بحجة أن اللجان لم تنشأ بعد”. واكد أن “الوضع لم يعد يحتمل والمالك يئن وجعا وقدفاض به الكيل ظلما وتنكيلا بكرامته وبلقمة عيشه، فكثير من المالكين من لا قدرة لهم حتى بالدخول في نزاع قضائي للمحافظة على أبسط حقوقهم وحمايتها”.
وقال: “في العام 1926 وقف أحد النواب في البرلمان آنذاك وهو الأستاذ جميل تلحوق في معرض مناقشة المرسوم رقم /708/ (مشروع قانون الإيجارات) وكلامه مسجل في محاضر مجلس النواب اللبناني (الدور التشريعي الأول، العقد العادي الأول لسنة 1926، محضر الجلسة الثامنة والعشرون)، فقال: “في كل سنة يخرج من هذا المجلس وعد يقول به في الوقت الفلاني يصبح الملك حرا وهذا قاله المجلس اليوم أيضا. الحالة الاستثنائية قد انقضت واعتقد انه ليس هنالك من حاجة تقضي بتجديد مثل هذه القوانين… هنالك حجز حرية، هنالك تصرف في ملك مالك تحجز عليه ارادته ويتصرف غيره برأس ماله”. هذه الكلمات التي قيلت منذ واحد وتسعين عاما لا تزال تنطبق على واقع الحال لغاية يومنا هذا، ومنذ العام 1926 والمشرع اللبناني يقوم بتجديد وتمديد مأساة المالك القديم… والمالكين هم مواطنين لبنانيين استثمروا في قطاع البناء والتأجير وساهموا بازدهار الاقتصاد الوطني، وكانوا درته في سنوات العز والبحبوحة قبل اندلاع الحرب وأثنائها وفي أحلك الظروف تشبثوا بأرض الوطن، وقد صودر حقهم بالتصرف بملكهم بموجب القوانين الاستثنائية الجائرة وقد خضعوا لها، وهم الآن في دولة القانون والمؤسسات الحقة في ظل عهدكم الميمون وحكومتكم حكومة استعادة الثقة يتطلعون لاستعادة هذه الثقة باسترجاع حقوقهم المسلوبة ولاستعادة الثقة أيضا بالاقتصاد اللبناني القائم على المبادرة الفردية والملكية الخاصة وفقا لما ورد في مقدمة الدستور. فخامة الرئيس، نحن على يقين بأنكم تشعرون بألم المالك القديم وتسمعون أنينه، ونشكركم على موقفكم في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة المنعقدة بتاريخ 4/1/2018 والذي أكدتم فيها على وجوب الإسراع في تشكيل لجان قانون الإيجارات في المحافظات”.
وختم: “فخامة الرئيس، لكل ما تقدم، نتوجه إليكم بوصفكم بي الكل وحامي الدستور والساهر على تنفيذ وتطبيق القوانين ونناشدكم بإلحاح وضع حد للوضع الشاذ على الصعيدين القانوني والاجتماعي، وذلك بإعطاء توجيهاتكم بإصدار المراسيم المتعلقة بقانون الإيجارات الجديد ونشرها في الجريدة الرسمية في أسرع وقت ممكن، وذلك تمكينا للمستأجرين من ذوي الدخل المحدود من التقدم بالطلبات أمام وزارة المال لكي يحصلون على المساهمة والذين سوف يمتد إشغالهم في أملاكنا لمدة 12 عاما، وتمكينا لنا كمالكين بتقاضي بدلات الإيجار وفقا لأحكام القانون الجديد ومواجهة مسألة تردي أوضاع المباني. وبذلك ينال كل ذي حق حقه وتنتظم الأمور وفقا لنية المشرع التي أرادها من خلال إقرار القانون الجديد، وهي إعادة التوازن للعلاقة التأجيرية التعاقدية غير المتكافئة، وذلك عبر وضع مهل معقولة لتصحيح مسألة الإيجارات القديمة وإنشاء آلية متدرجة وعبر تسوية حقوقية للأوضاع المتراكمة منذ أكثر ما يقارب المئة عام. ولكي لا تبقى أعناقنا تقطع بمقاصل جور القوانين الاستثنائية”.