فتح توقيف مخابرات الجيش رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان الشيخ محمد إبراهيم النقاش مجدداً في شأن "وثائق الاتصال"، التي لا يزال العمل بها مستمراً، رغم إصدار حكومة الرئيس تمام سلام في العام 2014 قراراً بالغائها مع "لوائح الاخضاع".
إبراهيم الذي أُطلق سراحه بعد يومٍ من اعتقاله، اتخذت مخابرات الجيش قراراً بمنعه من السفر بموجب وثائق الاتصال. وهو ما اعتبره "سلوكاً غير قانوني، يهدف إلى بثِّ أجواء الخوف بين المواطنين، بدل توفير الأمن والأمان".
هذه الوثائق، رغم اعتمادها في مختلف المناطق اللبنانيّة، لكنّها تبدو رائجة في طرابلس أكثر من غيرها، لاسيما أنّها صدرت بحقّ آلاف الشباب منذ اندلاع جولات العنف بين جبل محسن وباب التبانة، وجعلت قسماً كبيراً منهم ملاحقاً بتهم الاخلال بالأمن والمشاركة في جولات القتال.
لكن، ما هي وثائق الاتصال؟
يشير مصدر أمنيّ لـ"المدن" إلى أنّ وثائق الاتصال تصدر عن مديرية المخابرات في الجيش اللبناني دون سواها من الأجهزة الأمنية الرسمية الأخرى، لكن من دون إذنٍ قضائي. إذ إنّها تصدر بناء على معلومة أو إخبارٍ يتناول حادثة أمنية معيّنة، مثل إطلاق نار، أو التخطيط لعمل إرهابي. ثمّ تُعمّم هذه الوثيقة متضمّنة معلومات أوّلية عن الحادثة المقصودة مع مكان وتاريخ حصولها.
غير أنّ ما يجعل "وثائق الاتصال" موضع اعتراضٍ شعبي ولدى المرجعيات السياسيّة والدينيّة والحقوقيّة هو أنّ حكومة الرئيس سلام أصدرت في تموز 2014 قراراً يقضي بالغائها مع "لوائح الاخضاع" التي تصدر عن الأمن العام، خصوصاً أنّه كانت تتمُّ على أساسهما توقيفات عشوائية وغير قانونية بحقّ مواطنين "مشتبه" بقيامهم بأعمال مخلّة بالأمن. وهو ما أعتُبر في حينها "انجازاً تاريخياً أنهى أبرز معالم زمن الوصاية السورية في لبنان".
قانونيّاً، يعتبر محامي الموقوفين الإسلاميين محمد صبلوح أنّ "وثائق الاتصال ولوائح الاخضاع" لا ترتكز إلى سندٍ قانوني معمول به، لأنّها غير صادرة عن جهةٍ قضائيّة. ويقول لـ"المدن" إنه "في الشمال، صدرت أكثر من 11 ألف وثيقة اتصال بعد أحداث الجبل والتبانة، وأعتُقل بموجبها كثير من الموقفين تعسفيّاً". فـ"هذه الوثائق لا قيمة قانونيّة لها، يعتمدها المخبرون أحياناً لغاياتٍ انتقاميّة وشخصية، لاسيما أن وثائق الاتصال كافيةً لاستدعاء الشخص إلى التحقيق وتوقيفه ثمّ إحالته إلى المحكمة العسكرية".
ويرى صبلوح أنّ "وثائق الاتصال" أصبحت "موضة رائجة" في طرابلس، ويجري استخدامها في توجيه تُهم الإرهاب ضدّ الإسلاميين، وأنّ كثيرين لا يكتشفون صدورها بحقّهم إلا أثناء إجراء معاملات رسميّة، ويتم توقيفهم.
ووفق صبلوح، هناك عشرات الملفات العالقة أمام المحكمة العسكرية، تستند إلى وثيقة اتصال، وغالباً ما تحكم المحكمة ببراءة المدعى عليه لعدم دقّتها. "وهو ما يدفعنا إلى الإصرار على تطبيق القانون، إذ لا يجوز اعتقال أيّ شخص من دون إذن قضائي. وأي عمل مخالف لذلك من قبل الأجهزة الأمنيّة هو بمثابة جريمة، يجب أن يعقاب عليها الضابط مهما كانت رتبته ويُحال إلى المحاكمة، لأن ذلك اسمه توقيف تعسفي وحجز للحريّة".
تجمع القيادات السياسيّة في طرابلس على ضرورة وقف العمل بوثائق الاتصال، بعد صدور قرار الغائها تفاديّاً لتبعاته. من جهته، يشير اللواء أشرف ريفي لـ"المدن"، وهو كان وزيراً للعدل في حكومة سلام أثناء صدور قرار الغاء وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع، إلى أنّه في ذلك الوقت جرى العمل على الغاء هذين الاجرائيّن لاعتبارهما غير قانونييّن ومهينيّن للكرامة الإنسانيّة.
ريفي الذي يعتبر أنّ الهدف من هذا القرار كان حماية المواطنين وسمعة المؤسسات الأمنية وتعزيز الثقة بينها وبين المواطنين، يستغرب عدم الالتزام به. يصيف: "ستكون هذه القضيّة إحدى بنود برنامجنا الانتخابي. فالأجهزة الأمنيّة لا تزال تجري حملات اعتقال تعسفيّة بموجب هذه الوثيقة، وتطاول أحياناً من يتعاطون معي شخصيّاً. وهذا دليل على استغلالها كورقة سياسيّة وثأرية". لكن، "ليس طبيعيّاً أن يشعر شباب طرابلس بالملاحقة الأمنية الدائمة، وهو وضع غير مقبول، يأخذهم إمّا للخضوع والاستسلام أو الاحتقان والانفجار في مكانٍ ما، يُنتج تداعيات كارثيّة".