في الوقت الذي تسنّى فيه للسوري حسين غرلي الموقوف في ملف “أحداث عرسال 2″، مع 17 موقوفاً بعد تجزئته إلى خمس ملفات، إفراغ غضبه على “الدولة اللبنانية” من خلال المحكمة العسكرية لأن الذين خاضوا المعركة وشاركوا فيها وأولهم “أبو مالك التلي” “إنتو أخرجتوه وطيلعتوه إلى دير الزور وأدلب فيما تحاكموننا نحن وتحملوننا القضية برمّتها”، فإن الشيخ مصطفى الحجيري الملقب بـ”أبو طاقية” الذي يمثل أمام المحكمة للمرة الأولى منذ توقيفه في منتصف تشرين الثاني الماضي، كبت غضبه بنظراته، ففي “جعبة الرجل الكثير الكثير ليقوله أمام المحكمة”، وفق ما نقل عنه وكيله المحامي ناجي ياغي، الذي استمهل للاطلاع على ملف التحقيق مع موكله الذي لم تتسلمه المحكمة بعد من مديرية المخابرات في الجيش ، ما أدى بالتالي إلى إرجاء الجلسة إلى 23 كانون الثاني المقبل.
وإلى جانب “أبو طاقية”، يحاكم في هذا الملف قائد “لواء فجر الإسلام” عماد جمعة و12 موقوفاً آخرين، فصل بينهم حاجز بشري من العسكريين إثر إدخال “أبو طاقية” إلى قاعة المحكمة، حيث بدا بصورة مغايرة عن تلك التي كان يظهر فيها وهو “حرّ”، ملابس رياضية وذقن خفيفة بغياب “الطاقية”، مغايراً لدرجة أن ممثلة النيابة العامة القاضية مايا كنعان استفسرت إثر إدخاله عن هوية الموقوف. وكانت «نعم»، هي الكلمة اليتيمة التي نطق بها الحجيري خلال الجلسة، عندما نادى عليه رئيس المحكمة العميد الركن حسين عبدالله، قبل أن يعود إلى سجنه في وزارة الدفاع.
في الملف المجزّأ، أنهت المحكمة أمس استجواب الموقوفين الـ 17 فيه، على أن تكون الجلسة المقبلة مخصصة للمرافعة والحكم. في تلك الجلسة سجّل محامون من جهة الدفاع اعتراضهم على “طريقة استجواب المحكمة”، وذهب أحدهم إلى اعتبار أن “المحكمة تتغاضى عن مسألة تعرض موكليهم للتعذيب خلال مرحلة التحقيق الأولي”، ليأتي الردّ من الرئاسة بأن لا دليل يثبت مزاعم المتهمين ووكلائهم وبالتالي فإن المحكمة لم “تكم أفواه المتهمين أثناء استجوابهم والذين أكدوا خلاله تعرضهم للتعذيب”.
وكانت برزت من بين المستجوبين أمس إفادة المتهم عبد الرحمن البازرباشي الملقب بـ”حفيد البغدادي”، الذي كان شاهداً على إعدام العسكريين الشهيدين علي السيد وعباس مدلج، حيث تولى تصوير العمليتين، الأولى نفّذها مقنعون ولا يعرف إذا كان من بينهم بلال ميقاتي والثانية نفّذها السوري “أبو الورد” ولا يعرف كامل هويته.
وجاء سؤال رئيس المحكمة: “كيف استطعت التركيز لتصوير العمليتين”؟، فأجاب المتهم: “الشغلي ما كانت على كيفي”. وإلى جانب هاتين العمليتين، صوّر المتهم أيضاً عملية إطلاق صواريخ على الهرمل نافياً مشاركته في “أحداث عرسال”، فـ”أنا كنت فقط مصوراً ولم أغادر محلة الرهوة”.
وكشف “حفيد البغدادي” أن أمر قتل عسكريين جاء من “الوالي” في الرقة أبو أيوب العراقي وأن اختيار السيد أولاً لم يكن انتقائياً من دون تحديد أي اسم من الأسرى العسكريين لإعدامه وأنه بعد حوالي الأسبوعين من إعدام السيد تم إعدام مدلج. أما عن عملية قيام المتهم عمر ميقاتي الموقوف في الملف عينه بقطع أذن الجندي سيف ذبيان قال المتهم بأنه لم ير ذلك إنما شاهد عمر في المقر.
وإلى جانب ذلك قام المتهم بتصوير عملية انشقاق العسكري عبد الرحيم دياب، وقال في هذا المجال: “أنا شاهدته أسيراً مع باقي العسكريين وصوّرت مبايعته لـ”داعش” ثم أُعيد إلى السجن”.أما عن إعدام العسكري الشهيد علي العلي فقال المتهم: “أخذوه من سجن الرهوة كي يرمي مدفعية وحاول أن يفجّر نفسه بقنبلة فقتلوه ولا أعرف من الذي فعل ذلك إنما شاهدت جثته وقد حاول الوفد القطري سحب عيّنة من جثته”.
جرأة البازرباشي في تصوير عمليات الإعدام، قابلها “فزع” لدى المتهم عيسى عوض الذي زعم بعد اقراره بالالتحاق بـ”داعش”، أنه بعد وصوله بأيام ثلاثة تعرضت المنطقة لقصف بالطيران فخاف كثيراً وراح يصرخ «بدّي أمي»، وكان ذلك قبل يومين من بدء المعركة نافياً مشاركته بها متراجعاً بذلك عن اعترافاته الأولية لجهة مشاركته في الهجوم على مركز للجيش إنما شارك فقط في أعمال الحراسة على أحد المقرات في جرود قارة.
وبعد أن استجوبت المحكمة يحيى عامر وعثمان مطر وخالد حكوم وأحمد كسحة وأحمد حسين الذين نسفوا جميعهم اعترافاتهم الأولية، جاء دور حسين غرلي الذي ما إنْ سأله رئيس المحكمة عما أقره في التحقيق الأولي قال: “الذين شاركوا وقاموا بالأحداث طلّعتوهم على ادلب ودير الزور ثم تتهموننا بأننا نحن قمنا بالمعركة». وسأل المتهم رئيس المحكمة: «أين أبو مالك التلي وليش طلعت براسنا”.
وأضاف: “أنا قاتلت إنما لم أقتل”. وأوضح له رئيس المحكمة أن الذين غادروا كانوا سيحاكمون مثلما تحاكمون الآن وسأله عن حراسته للأسرى العسكريين وما ذكره عن مقتل السيد والعلي ومدلج فأجاب المتهم بنبرة عالية: “كل العالم بتعرف وانتو بدكن تركْبوها هيك ركبوها”. وعند هذا الحد توقف استجواب المتهم.