كتب سليمان جوزيف فرنجية …
عندما يُذكر الأب داغر التنوري نذكر معه دعاوى التقديس التي رفعت إلى روما منهم القديسيون رفقا، الحرديني والقديس شربل. رجل وصل في الرهبانيّة اللبنانيّة إلى مصافي الرئاسة. رجل في زمن الأزمات والحروب العالميّة كان رجل الله بامتياز. ربمّا قداسته لم تعلن بعد من قبل الكنيسة ولكنّه قديس مطوّب من الشعب. قديس طوبّته الأوساط الشعبيّة والعلميّة. في هذه المقالة سنتعرّف على شخصيّة الأب، العالم ورجل العطاء.
هو جرجس بن عساف داغر من بلدة تنورين الفوقا سنة 1869، اسم أمه “نَوف” توفيت وهو في السابعة من عمره. بُلي أبوه بالعمى فكان جرجس الفتى الصغير يقود أباه كل يوم إلى الكنيسة. ولما توفي والده أُدخل مع أخته “فوتين” إلى ميتم الراهبات اللعازاريات في طرابلس سنة 1877. دخل جرجس الرهبانية مبتدئا في دير مار جرجس الناعمة سنة 1884.
أبرز نذوره الرهبانية على يد الأب بولس البكاسيني في 27 أيلول سنة 1886. وكان آنذاك بعمر الثامنة عشر ربيعا. أرسلته الرهبانية إلى دير مار موسى الدوار حيث قضى سنتين ونصف لتلقّي علومه الكهنوتية، وكان مدير الدروس الأب مبارك المتيني الذي هو أول من نال شهادة الملفنة (الدكتورا) من الكلية اليسوعية في بيروت. أُرسل إلى دير الناعمة ليكمل دروسه على يد الأبوين اغناطيوس لبّوس واسطفان البنتاعلي لمدة ثلاث سنوات. وسيم بعد نهاية دروسه كاهنا على يد المطران يوسف نجم بتاريخ 25 أذار 1893.
عند سيامته عُيّن في مدرسة بيروت ناظرا على تلامذة الرهبانية طيلة خمس سنوات. وعُيّن معلما للمبتدئين، سنة 1900، في دير كفيفان. وبعد مرور سنة عيّن رئيسا على الدير حتى سنة 1910. انتُخب رئيسا عاما على الرهبانية في مجمع التأم في دير سيدة نسبيه ـ غوسطا بتاريخ 18/9/1913. وبقي يرئس الرهبانية حتى سنة 1929. انتخب معه نائبا عاما اجناديوس سركيس ومدبرين: أنطونيوس حرفوش ونعمة الله مجلي ومرتينوس خلفه ووكيلا عاما مرتينوس طربيه.
سنة 1914 نشبت الحرب العالمية الأولى وقد طالت أربع سنوات حتى دبّت المجاعة باللبنانيين. فما كان من الأب العام اغناطيوس التنوري إلا أن أمر الرهبان بفتح أبواب الأديار ملاجئ للفقراء وتأمين الطعام والكسوة لأبناء الوطن المحاصرين من الجيش العثماني ومن الجراد والذين مات ثلثهم جوعا. قابل الأب اغناطيوس داغر، عام 1927، قداسة البابا بيوس الحادي عشر. فقال له البابا: “قد قيل لي عن فضيلتك الشيء الكثير والآن حين وقع نظري عليك تحقّقت أن كل ما سمعته عنك لم يكن فيه شيء من المبالغة”.
استقال من الرئاسة العامة سنة 1929. وأمضى بضع سنين في دير المعونات ثم انتقل إلى دير مار يوسف جربتا حيث كتب مواعظه وقد طبعها له الأب ليباوس داغر وقد أسماها: “خزانة الواعظين والمتأملين” وكتيّبين لعبادة العذرا مريم. توفاه الله برائحة القداسة، مساء يوم السبت الموافق 14 كانون الأول سنة 1957، في مأوى راهبات دير مار يوسف جربتا عن واحد وتسعين عاما. ودفن في دير سيدة المعونات ولا يزال قبره خلف الكنيسة للجهة الشرقية محجّة للمؤمنين. تنسب إليه العديد من العجائب أبرزها مشى التنوريُ في هواء سطح دير مار قبريانوس ويوستينا كفيفان على خُطى الربّ الماشي على المياه حين استغاثَ به تلاميذه الخائفون المرتعبون. عسى أن ننال بشرى إعلان تكريمه ومن ثم التطويب والتقديس في حياتنا. عسى أن ننال شفاعته للسلام في بلدنا الجريح التعيس.
